دائما ينظر المتداولين وخصوصاً المبتدئين الى التداول نظرة الأرقام والتحليلات التي تحكمها استراتيجيات محددة، وبمجرد فتح الصفقة بعد التفكير بها فأن الأمور ستجري بسلاسة وسهولة! وقد يقضي هؤلاء المتداولين وقتاً كبيراً في تعلم تداول الأسهم او العملات او العملات المشفرة، ويجدون في الذهب متعة في تحرك أسعاره وتقلبه مع الأحداث السياسية دون اي ابداء اهتمام لعامل المشاعر والعواطف التي يمكن ان تتحكم بك أثناء تشغيل الصفقة وأثناء تحرك السعر سواء في الاتجاه او عكس الاتجاه الذي تريده.
إليك المفاجئة، ان النجاح في التداول لا يعتمد على المهارة في قراءة مخططات الأسعار او فهم طريقة عمل السوق والمؤشرات الفنية والبيانات الاقتصادية فقط، بل يعتمد على قدرة المتداول في إدارة مشاعره وعواطفه والحفاظ على هدوءه. أثناء التداول يمر المتداول والمستثمر بالكثير من المشاعر، سواء بالتحفز والطمع في حالة المكسب، أو الخوف والقلق والهلع في حالة الخسارة، وكلاً منهما بالتأكيد يضر استثمارك ومحفظتك الاستثمارية وذلك لأنهما يدفعانك الى اتخاذ قرارات متهورة وسريعة. في هذه المقالة سوف نتحدث عن التحكم العاطفي والوعي الذاتي وكيف يمكنهما ان يزيدان من نتائج صفقاتك وتقليل احتمالية الخسائر التي ستكون مكلفة بالتأكيد!
ما المقصود بسيكولوجية التداول؟
سيكولوجية التداول ببساطة هو علم يهتم بدراسة الجوانب النفسية للمتداولين وفهم تأثيرها على القرارات واسباب تلك المشاعر والجوانب النفسية وكيفية التحكم بها. الأمر في التداول لا يتعلق بمجرد مشاعر بسيطة قد تؤدي الى بعض الخلافات مع الأصدقاء او الأهل، الأمر أكبر من ذلك بكثير جداً، فالتداول هو عبارة عن سوق مفتوح يتحرك بناءاً على العرض والطلب، والمشاعر هي من تدفع الكثير من المتداولين الى اتخاذ القرارات. بما ان المشاعر هي التي تدفع المتداولين الى اتخاذ القرارات، فيمكن ان نقول ان المشاعر هي المحرك الأكبر للسوق، فوجود نظرة تفاؤلية لأحدى الشركات يمكن ان تجعل اسعار اسهمها ترتفع حتى بدون اي اسباب منطقية او واضحة!
يوفر التحليل الفني والأساسي رؤية منطقية ومتوقعة للسوق، فلنفترض ان السوق لأحد الأسهم في حالة صعود، ولا يوجد قرارات جديدة حول الشركة نفسها قد تؤدي الى احداث تغيير يُذكر. ولكن ماذا ان قولت لك ان هناك شك او اخبار حول تغيير الرئيس التنفيذي الناجح لهذه الشركة؟ هل الأمر يقع الآن هو ما يمكن للأرقام توقعه؟ بالتأكيد لا! هنا كل ما سوف يؤثر على السوق هو قلق وخوف المتداولين من الأدارة الجديدة، وهو ما سوف يدفعهم الى بيع اسهمهم وانتظار ما سيحدث.
لذا دائما ينصح خبراء التداول بضرورة فهم وتوقع مشاعر المتداولين حسب مجريات الأمور، فلا تقع في عزلة الأرقام وتحليلات مخططات الأسعار والبيانات الاقتصادية بل حاول دائماَ دمج المشاعر في الأمر. يفيد فهم سيكولوجية التداول في أمرين، الأول هو توقع ما سيحدث وتحديد تأثيره على السوق بشكلاً عام، والأمر الآخر هو إمكانية فهم مشاعرك والسيطرة عليها والتحكم بها لكي لا تمشي في نفس طريق القطيع.
أنواع مشاعر التداول
هناك الكثير من المشاعر المتداخلة في التداول، لذا يُطلق عليهم خبراء التداول أسم “الطيف العاطفي للتداول”، سوف نذكر لكم أهم هذه المشاعر وأكثرها تأثيراً:
- الطمع والثقة المفرطة
عندما يربح المتداول في العديد من الصفقات المتتالية، في الغالب يشعر بالجشع والطمع. يمكنه تفسير هذا الشعور بانه المتداول القوي الذي لا يُقهر، ولا يمكن ان يخطأ، أو ربما يشعر بأن الحظ يحالفه، وانه لن يخسر اليوم على الإطلاق. يمكن ان يؤدي هذا الشعور المخيف الى الثقة المفرطة، وهو ما يجعله يتخلى عن استراتيجيات التداول التي قام بإعدادها، وأن يتداول بعشوائية وبدون تفعيل استراتيجيات ادارة المخاطر.
على سبيل المثال، قد يزيد المتداول الذي حقق أرباحاً متتالية لصفقات متعددة من حجم صفقاتك، أو ان يزيد مستوى الرافعة المالية، أملاً في زيادة الأرباح، وهو يتجاهل ان السوق قد ينقلب عليه. كما ان هذا المتداول ونتيجة للثقة المفرطة، قد يتجاهل الكثير من علامات التحذير او الفشل، مثل خسارة صفقة، فقد يعتقد انها مجرد صفقة وسط سلسلة نجاحات وسوف يُكمل النجاح، ويتجاهل إعادة تقييم ظروف السوق، وهو ما سوف يؤدي الى خسائر كبيرة.
- الخوف والتردد
على الجانب الآخر قد يتغلب على المتداول الشعور بالخوف والرهبة من السوق، وهي مشاعر سوف تشل المتداولين وتجبرهم على اغلاق صفقاتهم قبل تحقيق أهدافها، أو حتى تخيفهم من الدخول في السوق وفتح احدى الصفقات. قد ينشأ الخوف بعد خسارة لإحدى الصفقات، أو بسبب التقلبات الكبيرة في السوق، فيخاف المتداول من تكرار الخطأ والخسارة مرة أخرى. هذه المشاعر السلبية قد تؤدي الى قلة الثقة بالنفس وتفويت الفرص المتاحة. الخوف في حد ذاته قد يكون مفيداً ان قمت باستغلاله في زيادة التحليلات الفنية والأساسية وفهم مشاعر المتداولين، ولا تجعله يحبطك ويكون سبباً في تقييد حركتك.
- الانتقام من السوق
بعد التعرض للخسارة، قد يقع بعض المتداولين في فخ محاولة الانتقام من السوق، وهنا يندفع المتداول في صفقات اندفاعية بدون دراسة كبيرة لتعويض الخسائر، وهو ما يسبب الكثير من الخسائر الإضافية بدلاً من تعويض ما حدث. غالباً تدفع مشاعر الغضب والانتقام من السوق المتداول الى فتح صفقات تعتمد على المشاعر فقط، اي ان المتداول ينظر الى عملة في حالة ارتفاع بأن يفتح صفقة شراء وينتظر اكتمال الارتفاع وجني الأرباح، وهو ما قد لا يحدث، لأن السوق سوف ينقلب في وقتاً من الأوقات. ربما يدفعك الى الشراء في وقت ذروة الشراء والوصول الى القمة والبيع في القاع مع الخسارة!
بدلاً من محاول الانتقام، عليك ان تتذكر ان السوق ليس عدوك، بل هو صديقك ولكنك لم تفهم طريقة التعامل مع بشكل مناسب، قم بالتحليل الأساسي والفني وافتح صفقاتك بناءاً على تحليلات منطقية وانسى المشاعر السلبية. ان لم تنجح في محاول كبت مشاعرك والتفكير بعقلانية، يمكنك اخذ استراحة من التداول لفترة، وان تعوض خسائرك في وقت آخر، او ان تستغل هذا الوقت او هذه المشاعر في تحليل اسباب الخسارة لتجنبها في الصفقة القادمة.
- الإحباط واليأس
يمكن ان تؤدي فترات طويلة من الأداء السيء او الضعيف للتداول، حتى وان لم تكن خاسراً ولكن العائد لم يكون بالمستوى الذي تريده، الى الشعور بالإحباط واليأس. او ان تشك في قدرتك على التداول و التحليل الفني والأساسي وفهم السوق بشكل عام. يمكن لليأس ان يجعل المبتدئين يفكرون في البُعد والتخلي تماماً عن التداول. عليك ان تفهم ان هذه المشاعر قد تكون منطقية، ولكنها يجب ان تقودك الى محاول إعادة فهم ما حدث وإعادة تحديد أولوياتك بناءاً على قدر معرفتك ورأس مالك. ربما يمكنك زيادة رأس المال لتزيد من الأرباح او ان تحسن من معرفتك لتحسن العائد من الاستثمار، او ان تغير طريقة تفاعلك مع السوق او استراتيجيتك!
لماذا كل هذه المشاعر؟
المشاعر في حد ذاتها هي رد فعل، وليست الفعل، لذا نجد ان بعض الناس يحتفلون بشيء وبعضهم يحزنون لنفس الشيء! الأمر كله في فهم التحيزات النفسية التي دفعتك الى هذا الشعور، وتحديده وفهمه بوضوح لتعرف ما يمكن ان يثير مشاعرك. ان أردنا ان نتحدث عن التحيزات، فسوف نبدأ بالتحيز التأكيدي، حيث ان المتداولين قد يفضلون البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم وآرائهم. على سبيل المثال، ان كنت تعتقد ان الذهب سوف يصل الى 3000 دولار للأوقية، فسوف تصدق المحللون الذين يدعمون فرضيتك، بدون النظر الى ما دفعهم الى تبني هذا الاعتقاد! لذا ينصح الخبراء النفسيين بفهم أسباب التحليلات بشكل مجرد دون اي تحيز.
ربما تكمن المشاعر أيضاً من رفض فكرة الخسارة، قد يشعر المتداول بالهزيمة من الخسارة! يجب ان تفهم يا عزيزي انك ليس في منافسة مع السوق، ولا يوجد هزيمة او انتصار، ببساطة كل خسارة تتعلم منها هي مكسب في حد ذاته، لذا حاول استثمار مشاعرك بشكل إيجابي بدلاً من رفض الفكرة. يمكنك ان تنظر الى التداول بشكل يجعلك تقبل الفكرة وهو ان اجمالي صفقاتك الرابحة يجب ان تتعدى صفقاتك الخاسرة، ففي هذه الحالة سوف تجد الخسارة جزء من الرحلة، وليست محطة النهاية.
أحد مسببات المشاعر هي المشي في القطيع، قد تؤثر عليك قرارات من حولك، بشكل يجعلك تتخذ قراراً دون التفكير به. عليك ان تدرس جميع الصفقات قبل ان تفتحها، لا تعتمد على المتداولين الآخرين وخصوصا ان لم يكن لديهم الخبرة والمعرفة الكافية لتقديم توصيات للتداول.
كيف تتحكم في مشاعرك أثناء التداول؟
ان كنت متداول ذو خبرة، بالتأكيد قد مررت بالمشاعر السابقة، سواء الطمع او الخوف والقلق او اليأس، قد تتسأل الآن بعد ان عرفت اسباب هذه المشاعر وكيف يمكن ان تؤثر على ارباحك، كيف اتحكم في مشاعري؟ ان ادارة المشاعر والتحكم بها تتطلب وعي ذاتي، اي ان تفهم نفسك، وتعرف ما يستفز مشاعرك وما يريحك، وهو ما يمكنك تعلمه بعد تحليل اسباب كل مشاعر تمر بها. نعم، قد تتفاجئي بأنك ستعرف أشياء جديدة عن نفسك، قد لم تلاحظها من قبل! فيما يلي بعض الخطوات العملية التي يمكنها مساعدتك في اكتساب مرونة عاطفية أثناء التداول:
- وضع خطة تداول قوية
وجود خطة تداول قوية تتضمن أسباب واضحة لاختيار هذه الصفقة، والإطار الزمني وسعر الدخول والخروج من السوق، وكذلك الخسارة المتوقعة ووضع أوامر لوقف الخسارة، ستقلل من تأثير مشاعرك، لأنك ستشعر بالثقة. عليك ان تقرر ان تلتزم بالخطة وتتجنب القرارات الاندفاعية التي تحركها المشاعر قصيرة الأجل، وان تراقب مشاعرك أثناء تحرك مخطط الأسعار أمامك.
- زيادة الوعي الذاتي
عليك تدوين مشاعرك ويومياتك، وخصوصاً ان لاحظت ان مشاعرك تسبب الكثير من الخسائر، بعد فترة من قراءة هذه اليوميات وفهم ما حدث، سوف تنسجم مع مشاعرك وتطورها بشكل تدريجي. أحتفظ بهذه السجلات، وأقرئها عند المرور بمواقف مشابهة، لتشعر بالاطمئنان، وكافئ نفسك كلما تغلبت على الخوف والقلق والطمع.
- حدد أهداف واقعية
يمكن للأهداف غير الواقعية ان تصيبك بالإحباط، فكيف تتوقع ان تصبح مليونير بمجرد تداول 500 دولار وكذلك بخبرة محدودة؟ أعرف انك بدأت التداول لتزيد من استثمارك ورأس مالك بطريقة بسيطة، وللعلم، يمكنك ان تصبح مليونيراً برأس مال متواضع، ولكن بمزيد من الوقت والمعرفة والخبرة. لذا حاول ان تطابق أهدافك مستوى خبرتك ومعرفتك ورأس مالك، وكذلك الوقت الذي ستقضيه في التداول والاستثمار.
- حافظ على سلامتك النفسية
لا تزيد وتفرط في التداول، الأمر قد يكون متعب للذهن ويشتت عقلك، خذ دائماً فترات راحة للخروج من المنزل او قضاء وقت مع الأسرة. ان التوازن بين المنزل والعمل أمر مهم لضمان سلامتك النفسية وقدرتك على اتخاذ القرار بهدوء وعقلانية.
أسئلة واجوبة
هل تؤثر الصحة البدنية على التداول؟
بالتأكيد نعم! تلعب الصحة البدنية دوراً هاماً في التداول، فكلما كنت بصحة جيدة كانت قراراتك واضحة وذات ثقة وخالية من التوتر. لذا ينصح خبراء التداول بضرورة الاهتمام بالصحة العامة وممارسة التمارين الرياضية والتي يمكنها ان تؤثر على الصحة النفسية بالإيجاب وتقلل التوتر والقلق. كما ان النظام الغذائي المعتدل يؤثر بشكل واضح على قدرتك الذهنية وأدائك العقلي.
هل للمكان الذي أتداول به تأثير على قراراتي؟
نعم، للبيئة المحيطة دوراً حساساً في قراراتك، فكلما كنت في مكان هادئ كانت قرارات هادئة ومتزنة، وكلما كنت محاط بالضوضاء كانت قراراتك متوترة. تزيد الضوضاء والازدحام من مستويات التوتر، تشتت الانتباه عن الأمور الهامة مثل التحليلات الفنية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة. حاول ان تجد مكاناً هادئاً لتبدأ تحليلك به وتتداول منه. ينصح الخبراء باختيار أماكن بها أضواء طبيعية وألوان هادئة، لتزيد من مستوى تركيزك.
الخلاصة
ان علم نفس التداول او سيكولوجية التداول أمر لا يُستهان به، ولا يقل أهمية عن التحليل الفني والأساسي. ان فهم مشاعرك والتحكم بها، وفهم مشاعر المتداولين وكيف يعمل السوق، هي ما سوف تميزك عن من يمشي مع القطيع دون اي فهم. عليك ان تتحدى ذاتك وتتغلب على الخوف والجشع والطمع واليأس، ولا تتعب من المحاولة دوماً. بعد التغلب على هذه المشاعر سوف تتمكن من اكتساب الفرص وتمهيد نجاح مستدام.
إن التداول ليس معركة مع الأسواق؛ بل هو معركة مع الذات وفهم المشاعر. وأولئك الذين يفوزون بهذه المعركة الداخلية لا يكافؤون فقط بالمكاسب المالية، بل بالرضا عن الذات والثقة بالنفس أيضاً.