حجم الطاقة المستهلكة لتعدين البيتكوين وتأثيره على البيئة
ينظر مشجّعو العملات المشفرة إلى رئيس شركة تسلا إيلون ماسك على أنه واحد من أبطالهم وأحد داعميهم المُهمّين، لكنه هزّ عالمهم هذا الأسبوع من خلال التشكيك في مستقبل الأصول المشفرة وانتقاد انبعاثات الكربون الناتجة عن تعدين البيتكوين بشكل خاص.
فتح قرار إيلون ماسك الأخير وقف قبول شركة تسلا تعاملاتها بالبيتكوين كوسيلة دفع مقابل شراء السيارات الكهربائية، الباب على مصراعيه أمام انتقادات جديدة حول التأثير البيئي للعملات المشفرة.
فقد هزّ إيلون ماسك عرش ملك العملات المشفرة البيتكوين بثمان كلمات فقط، حيث غرّد يوم الخميس الماضي قائلاً:
“اتجاه استخدام الطاقة خلال الأشهر القليلة الماضية جنوني”، وشارك رسماً بيانياً يوضح ذلك من مؤشر” كامبريدج بيتكوين” لاستهلاك الكهرباء (CBECI)، الأمر الذي تسبب بانخفاض بنسبة 40% في سعر عملة البيتكوين، حيث وصلت إلى أدنى مستوى لها في شهرين ونصف الشهر، وهو انعكاس من أواخر مارس، عندما أعلنت تسلا أنها ستقبل العملة المشفرة كدفعة للشراء، بعد الإعلان عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في البيتكوين.
ما مقدار الطاقة التي تحتاجها عملة البيتكوين؟
يُعدّ الحصول على عملة البيتكوين عملاً كثيف الاستهلاك للطاقة، وتظهر الرسوم البيانية تطوّر استخدامه للطاقة، حيث ارتفع باستمرار من عام 2016 وتسارع بشكل حاد في عام 2020 على أساس سنوي ليصل إلى مستواه الحالي البالغ 149 تيراواط / ساعة، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق.
وذلك بالمقارنة مع استخدام غوغل الكامل للطاقة والبالغ 12.2 تيراواط / ساعة، وما يقرب من 200 تيراواط / ساعة تستخدمها جميع مراكز البيانات في العالم باستثناء تلك التي تستخرج البيتكوين، وذلك وفقاً لجورج كامييا، المحلّل في وكالة الطاقة الدولية (IEA).
كما وجد باحثون في جامعة كامبريدج أنه في بداية عام 2017، كانت البيتكوين تستخدم 6.6 تيراواط / ساعة من الطاقة سنوياً. وفي أكتوبر 2020، وصل إلى 67 تيراواط / ساعة. أما الآن فقد تضاعف الرقم بشكل كبير ليصل إلى 149 تيراواط /ساعة، وهو ما يكفي لإدارة جامعتهم بأكملها لما يقرب من 700 عام أو أكثر.
ومن خلال تلك الحسابات نفسها؛ لو كانت عملة البيتكوين دولة، لكانت 30 دولة أخرى فقط في العالم ستستهلك طاقة كهربائية أكثر منها. ولكان احتياج “دولة البيتكوين” من الطاقة سنوياً سيتجاوز احتياجات دول مثل الإمارات العربية المتحدة أو هولندا أو النمسا.
وفي الوقت الحالي، تحتاج جميع مراكز البيانات على مستوى العالم – تلك التي تدير (تيك بيغ، وكلاود، والإنترنت والنظام المالي الحالي) – إلى حوالي 200 تيراواط / ساعة من الكهرباء سنوياً، أي أن شبكة بيتكوين تستهلك أكثر من نصف هذه الكمية.
في الواقع، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الوضع قد يزداد سوءاً، فقد يرتفع استهلاك شبكة بيتكوين إلى 500 تيراواط \ساعة.
لماذا تحتاج البيتكوين لكل هذه الطاقة؟
البيتكوين هي أساساً عملة افتراضية، مما يعني أنه يتم تشغيلها بواسطة شبكة كمبيوتر ضخمة من ندٍ إلى ند. ولتتبع كل شيء وللحفاظ على أمان الشبكة، يتم استخدام نظام يسمى “سلسلة الكتل” blockchain، الذي يسجل جميع المعاملات. إذ يحصل كل شخص في الشبكة على نسخة وتكون مرتبطة ببعضها البعض. ونظراً لهذا الترابط، فإن العبث بالنظام قد يكون أشبه بالمستحيل.
وبإمكان أي شخص أن يصبح جزءاً من هذه الشبكة، إذ يحتاج الأمر فقط إلى جهاز كمبيوتر بمواصفات وقوة عالية مصمم لهذا الغرض، وكلما ازدادت قوة جهاز الكمبيوتر، كان ذلك أفضل، كما يجب تجنب ارتفاع درجات الحرارة للأجهزة.
ويُطلق على الأشخاص الذين يديرون أجهزة الكمبيوتر هذه اسم “عمال التّعدين”، ولا يتقاضون رواتب عادية، ولكن يأخذون مكافآت بعملة البيتكوين. فكلما زادت قوة الحوسبة لديهم، زادت فرصهم في الحصول على العملة المشفرة. وكلما ارتفع سعر البيتكوين، ازداد الاستثمار فيها أكثر.
ويمكن للشبكة معالجة خمس إلى سبع معاملات فقط في الثانية، ويصبح استخدام البيتكوين أكثر تكلفة إذا حاول الكثير من الأشخاص القيام بذلك. نظراً لأن رسوم المعاملات تذهب أيضاً إلى المُعدنين، فإن هذا يؤدي بدوره إلى زيادة أرباح المعدنين واستهلاك الطاقة في النهاية.
أين يتركّز عُمّال تعدين البيتكوين؟
تحتل الصين حالياً نسبة كبيرة في تعدين البيتكوين، حيث يوجد فيها أكثر من 65% من عمال تعدين البيتكوين، تليها الولايات المتحدة وروسيا بنسبة 7% تقريباً.
حيث يمكن لعمال التعدين في الصين الحصول على فائض رخيص من الطاقة الكهرومائية في الصيف والاستفادة من الطاقة الرخيصة المعتمدة على الفحم في الشتاء.
هل تضر البيتكوين بالبيئة؟
على الرغم من أن التعدين هو عملية تشغيلية قياسية لمعظم العملات المشفرة، إلا أن تعدين البيتكوين يعتمد على خوارزمية إثبات العمل. في الواقع، يُطلب من المُعدنين إنفاق الموارد على تخمين رمز مقابل البيتكوين. نظراً لأن المستخدم الأول فقط الذي يُنشئ إثبات العمل هو الذي تتم مكافأته بالعملة، فهو سباق تنافسي حيث يهيمن أولئك الذين يمتلكون أقوى الأجهزة. وهذا له تأثير بيئي مزدوج، يتمثل في زيادة استهلاك الطاقة وزيادة استهلاك الأجهزة الإلكترونية مما ينعكس سلباً على البيئة.
ومن الأمثلة الأخرى على الضرر البيئي خصوصاً مع تركز عمليات تعدين العملة المشفرة في الصين، التي لا يزال اقتصادها يعتمد بشكل كبير على الفحم، فقد غُمر منجم فحم في منطقة شينجيانج في شهر أبريل الفائت وتم إغلاقه بعد استنزافه من قبل عمليات تعدين البيتكوين، وقبل ذلك بشهر فقط، قالت منطقة منغوليا الداخلية في الصين، إنها ستغلق عمليات تعدين العملات المشفرة في المنطقة بسبب مخاوف بشأن استهلاك الطاقة.
وفي تقرير أعده “بنك أوف أمريكا” عن العملات المشفرة الأكثر شهرة في العالم، أوضح أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن استثمار كل مليار دولار جديد في عملة البيتكوين تعادل تقريباً الانبعاثات التي تسببها 1.2 مليون سيارة.
وأن 60 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون يصدر إلى الغلاف الخارجي من شبكة تعدين عملة البيتكوين.
وتتمتع شبكة البيتكوين ببصمة كربونية سنوية تبلغ 48.52 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل تقريباً البصمة الكربونية لبلغاريا.
وقبل ذلك حذر مؤسس شركة “مايكروسوفت” الأمريكية، بيل غيتس، من تأثير عملية تعدين البيتكوين على البيئة، ودعا إلى استخدام طاقة صديقة للبيئة في التعدين.
هل يستطيع البيتكوين أن يكون صديقاً للبيئة؟
يعتقد المتحمسون للعملات المشفرة أن النظام المالي التقليدي ضار بالبيئة، وأن البيتكوين هو شكل أكثر صداقة للبيئة لأن شبكته تعمل على تحسين كفاءة أجهزة الكمبيوتر وتغيير بروتوكول تعدين البيتكوين لتقليل متطلبات الطاقة التي تستهلكها تلك العملية.
ومع ذلك، فإن الحجة الرئيسية ضد البيتكوين هي أنها لا تخدم حالياً سوى القليل جداً من سكان العالم مقارنة مع معالجات الدفع المهيمنة مثل “فيزا” و “ماستركارد” التي تعالج حوالي 24000 معاملة في الثانية. بينما تعالج شبكة البيتكوين حالياً بمفردها حوالي سبع معاملات في الثانية. الأمر الذي يعتبره البعض ذو تأثير كبير على البيئة.
إذاً تكمن كل المشكلة بالتعدين الذي يتطلب بشكل أساسي استخدام الكهرباء التي يتم ضخها في الأجهزة المستخدمة في التعدين، والتي يُتلف معظمها بسبب الحرارة.
لذلك ما لم تتم معالجة هذه الوظيفة الأساسية لتعدين العملة المشفرة، فإن البيتكوين والعملات المشفرة المماثلة مثل الإيثريوم ستكون ذات تأثير سلبي على البيئة.
تعرف أكثر على العملات المشفرة وتداولها مع سي إم تريدينج الوسيط المرخص والحائز على جوائز
ابدأ اليوم