دائما ما يشغل بال متداولي الفوركس المحترفين طرق تنويع المحفظة الإستثمارية للحد من المخاطر، فماذا يحدث لو انهار الدولار مثلا، وكانت كل الصفقات تراهن على صعوده؟ بالتأكيد ستكون الصدمة كبيرة على المحفظة التداولية، وقد لن يستطيع صغار المتداولين إحتمالها، لذا يجب التنويع بين العملات المختلفة في نفس الوقت للحد من المخاطر، ومحاولة الوصول الى الاستقرار والثبات.
في عالم تداول العملات المعقد والسريع، يعد فهم الارتباط بين أزواج العملات أمراً لا يُستهان به، حيث يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نجاح المتداول. إن الترابط بين الاقتصادات العالمية والأسواق المالية يعني أن العملات تتأثر باستمرار بعوامل مختلفة، مما يخلق علاقات بين أزواج مختلفة. فهناك أزواج عملات ترتفع كلما ارتفعت ازواج اخرى، وهناك العكس! في هذه المقالة، سوف نتعمق في مفهوم الارتباط بين أزواج العملات ونستكشف كيف يمكن للمتداولين الاستفادة من الأدوات المتاحة لتنويع محفظتهم وإدارة المخاطر بشكل فعال.
ما هو الأرتباط بين العملات؟
كنتيجة للتعاون بين الدول المختلفة، والترابط بين الأقتصاد والتجارة والأحتياطي النقدي، ينشأ ترابط بين العملات، ويجعلها تتأثر بإختلاف سعر صرف بعض العملات الآخرى. ينشأ الأرتباط الايجابي عندما يتحرك سعر العملتان في نفس الأتجاة في نفس الوقت، بمعنى ان العملة X تزيد، يقابلها زيادة Y وهكذا. أما اذا كان حركة العملتان في اتجاهات مختلفة، فمثلاً يزيد سعر صرف العملة X، يقابله انخفاض في سعر العملة Y، يُسمى الأرتباط سلبي أو عكسي. وهناك بعض العملات التي لا يوجد بينهم اي ترابط، وحركة سعر صرف احد العملات لا يؤثر بأي شكل على العملة الآخرى.
الأمر الذي يجب فهمة، أن التنويع يجب ان يكون مدروس، حيث يمكن ان يجعل المحفظة مستقرة، ولكنه قد لا ينتج الكثير من الأرباح. فمثلاً اذا فتح المتداول صفقتين شراء بين عملتين بينهما ترابط سلبي، فقد يتم تعويض الخسائر في الصفقة الخاسرة، بالمكاسب في الصفقة الآخرى، اي ان هذا النوع من التنويع يعتبر نوع من التحوط وحماية المحفظة وليس لجني الأرباح. أما على الجانب الآخر، ففتح صفقتين بينهما ترابط إيجابي، فتزيد الأرباح، وتتضاعف المخاطر، لان الصفقتان اما رابحتان او خاسرتان!
قياس الأرتباط بين العملات بشكل دقيق
يمكن ان يكون الوضع مربك، وخصوصاً اننا نتحدث عن السوق الأكثر إهتماماً بالأرقام، فيجب ان نجعل كل شيئاً به رقمياً ويمكن حسابة. يتم قياس الأرتباط بين العملات بما يُسمى “معامل الأرتباط” وهو مؤشر تحليل فني يقيس مدى قوة وضعف والأرتباط بين زوجين من العملات. وكما عرفنا ان هناك ارتباطاً إيجابياً وارتباطاً سلبياً، لذا مقياس معامل الارتباط يتدرج من -100 الى +100. حيث انه كلما زادت قيمة الرقم بالسالب “-” يعني انه زاد الارتباط السلبي، وكلما زاد احد العملات قل الآخر. وكلما زاد قيمة الرقم بالموجب “+” زاد الارتباط الإيجابي، اي انه كلما قل احد العملات قل الآخر أيضاً.
كلما زادت قيمة معامل الارتباط سواء بالموجب او السالب، زاد التأثير في الترابط بين الزوجين، ويكون بينهم علاقة ترابط قوية، والتأثير أصبح أكثر قوة. يقول الخبراء ان التأثير يصبح أكثر قوة كلما كانت القراءة أكبر من 70 سواء بالموجب او السالب. اما في معامل الارتباط الصفري، او القريب من الصفر، لن يكون هناك علاقة ترابط بين العملات وبعضها.
العلاقة بين أزواج العملات الرئيسية
أزواج العملات الرئيسية هي تلك التي تتضمن الدولار الأمريكي (USD) وتتميز بالسيولة العالية وحجم التداول الكبير، والزخم العالي. بعض الأزواج الرئيسية الأكثر تداولًا تشمل اليورو مقابل الدولار EUR/USD،والدولار مقابل الين الياباني USD/JPY، والجنية الاسترليني مقابل الدولار GBP/USD. يعد فهم العلاقة بين هذه الأزواج أمرًا بالغ الأهمية لبناء محفظة متنوعة. فيما يلي سوف نذكر بعض علاقات الترابط بين ازواج العملات:
- العلاقة بين EUR/USD و USD/JPY:
غالبًا ما تظهر هذه الأزواج ارتباطًا سلبيًا. عندما يرتفع زوج EUR/USD، يميل زوج USD/JPY إلى الانخفاض والعكس صحيح. ويتأثر هذا الارتباط السلبي بدور الدولار الأمريكي كعملة ملاذ آمن.
- العلاقة بين EUR/USD و GBP/USD:
عادة ما تظهر هذه الأزواج علاقة إيجابية. وبما أن كلا الزوجين يتعاملان باليورو، فإنهما يميلان إلى التحرك في نفس الاتجاه. ومع ذلك، قد لا يكون الارتباط مثاليًا، ويمكن لعوامل أخرى مثل المؤشرات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية أن تؤثر على تحركاتها بشكل مستقل.
- العلاقة بين USD/JPY و GBP/USD:
عادةً ما يكون لهذه الأزواج علاقة محايدة إلى إيجابية قليلاً. في حين أن هناك بعض الارتباط بسبب مشاركة الدولار الأمريكي، فإن الارتباط ليس قويًا كما هو الحال مع الأزواج الأخرى. يمكن أن تؤدي العوامل الاقتصادية الخاصة باليابان والمملكة المتحدة إلى حركات مستقلة.
هل العلاقة بين ازواج العملات ثابتة؟
لا! يمكن للتحولات الكبيرة في الأحداث الأقتصادية ان تغير العلاقة بين ازواج العملات، وكلما كان التحول كبير، كلما زاد التأثير. فيمكن ان يحدث تحول يغير مجرى الأمور، ويجعل العملات التي كانت تترابط سلبياً ان تكون محايدة، او حتى إيجابية. يمكنك دائماً إستخدام المؤشر الفني لمعامل الارتباط “correlation coefficient” لمراجعة الترابط بين ازواج العملات على الآطر الزمنية المختلفة وخصوصاً في فترات الازمات والأحداث الاقتصادية الكبيرة.
تعمد المؤشرات التي تقيس العلاقة بيان ازواج العملات على البيانات التاريخية، ولكن عليك معرفة ان الماضي قد لا يتكرر مره آخرى، لذا فيمكن ان يتغير الواقع بناءاً على معطيات اليوم. تتأثر أزواج العملات بالأسواق العالمية المختلفة، في حين أن مشكلات السيولة في بعض أزواج العملات قد تؤثر على اسعار الصرف، خاصة في أوقات تقلبات السوق الشديدة.
الارتباط بين تحرك اسعار السلع وازواج العملات
تتأثر أسعار السلع الأساسية، مثل الذهب والنفط والمنتجات الزراعية، بعوامل مختلفة بما في ذلك ديناميكيات العرض والطلب، والأحداث الجيوسياسية، والمؤشرات الاقتصادية. يمكن أن تؤثر هذه العوامل أيضًا على قيم العملات، مما يؤدي إلى إنشاء ارتباطات بين أزواج عملات معينة وسلع محددة. على سبيل المثال، قد تظهر عملات البلدان المصدرة للسلع الأساسية علاقة إيجابية مع أسعار السلع الأساسية التي تصدرها.
وعلى العكس من ذلك، قد يكون لعملات الدول المستوردة علاقة سلبية بأسعار السلع الأساسية حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة تكاليف الاستيراد. يعد فهم هذه الارتباطات أمرًا بالغ الأهمية لمتداولي الفوركس حيث يمكنهم تقديم رؤى قيمة حول معنويات السوق وفرص التداول المحتملة.
كيف تنوع محفظنك التداولية في خطوات؟
يتضمن إنشاء محفظة متنوعة في الفوركس اختيار أزواج العملات ذات الارتباطات المنخفضة أو السلبية. والهدف هو تعويض الخسائر المحتملة في زوج واحد مع مكاسب في زوج آخر، وبالتالي تقليل المخاطر الإجمالية للمحفظة. فيما يلي الاعتبارات الأساسية لبناء محفظة فوركس متنوعة:
- اختيار الأزواج ذات الارتباط السلبي
يساعد الجمع بين أزواج العملات ذات الارتباط السلبي على تحقيق التوازن في المحفظة. على سبيل المثال، يوفر زوج اليورو/الدولار الأمريكي مع الدولار الأمريكي/الين الياباني درجة معينة من التحوط، حيث تميل الأزواج إلى التحرك في اتجاهين متعاكسين.
- فهم قوة الارتباط
لا ينبغي للمتداولين أن يعتمدوا فقط على معاملات الارتباط، بل يجب عليهم أيضًا أن يأخذوا في الاعتبار قوة الارتباط. ومن المرجح أن تستمر الارتباطات القوية، مما يوفر تحوطا أكثر فعالية. حاول دائماً مراجعة معامل الارتباط وفهم قوة الترابط من خلال قيمة قراءة المعامل (كما ذكرنا من -100 الى +100).
- تداول في زوج غير رئيسي
في حين أن الأزواج الرئيسية التي تشمل الدولار الأمريكي هي المهيمنة، بما في ذلك الأزواج غير الدولار الأمريكي مثل اليورو مقابل الجنية الاسترليني، يمكن أن تعزز التنويع. قد تتحرك هذه الأزواج بشكل مستقل عن العوامل التي تتمحور حول الدولار الأمريكي. عليك اختيار عملات غير متقلبة، او التداول بها مع تفعيل احتياطات إدارة المخاطر بحذر.
- مراقبة الأحداث الاقتصادية
ابق على اطلاع بالأحداث والأخبار الاقتصادية التي قد تؤثر على أزواج عملات محددة. حتى الأزواج ذات الارتباط المنخفض تاريخيًا قد تتأثر بالأحداث العالمية، لذا فإن اليقظة أمر بالغ الأهمية. يمكنك متابعة الاحداث الاقتصادية من خلال التقويم الاقتصادي الذي توفرة منصة سي إم تريدينج الرائدة في عالم تداول الفوركس في الشرق الأوسط.
استراتيجيات إدارة المخاطر
بالإضافة إلى بناء محفظة متنوعة، فإن الإدارة الفعالة للمخاطر لها أهمية قصوى في تداول العملات الأجنبية. عليك معرفة ان صفقة واحدة خاسرة، يمكن ان تحرق ارباح اسبوع تداولي واحد، لذا لا يجب ان تعتبر ادارة المخاطر بمثابة رفاهية! فيما يلي الاستراتيجيات التي يمكن للمتداولين استخدامها لإدارة المخاطر:
- تحديد أوامر وقف الخسارة
قبل فتح الصفقة عليك تحديد الربح المحتمل والخسارة المحتملة، وتحديد مستويات محددة مسبقًا للخروج من التداول للحد من الخسائر المحتملة. يمكن أن تكون أوامر وقف الخسارة مفيدة بشكل خاص في ظروف السوق المتقلبة.
- حجم الصفقات
حدد حجم الصفقات بناءً على مستوى المخاطرة المرتبطة بكل صفقة. يمكن أن تساعد الصفقات الأصغر في السيناريوهات عالية المخاطر في حماية المحفظة الإجمالية. لا تتداول بما لا يتعدى 1 الى 2 بالمئة من محفظتك الاستثمارية، للحد من الخسائر المحتملة، وإمكانية فتح صفقات آخرى للتعويض.
- استخدام تقنيات التحوط
استخدم استراتيجيات التحوط، مثل الدخول في الصفقات التي تعوض بعضها البعض. وفي حين أن هذا قد يحد من الأرباح المحتملة، فإنه يمكن أن يحمي من خسائر كبيرة.
- التنويع خارج نطاق العملات
فكر في تنويع المحفظة بما يتجاوز أزواج العملات. إن تضمين فئات الأصول الأخرى مثل السلع أو المؤشرات يمكن أن يوفر تخفيفًا إضافيًا للمخاطر.
الملخص
يعد فهم الارتباط بين أزواج العملات أمراً هاماً في بناء محفظة فوركس متنوعة وإدارة المخاطر بفعالية. يجب على المتداولين أن يتجاوزوا مجرد اختيار مجموعة متنوعة من الأزواج والتعمق في ديناميكيات معاملات الارتباط وقوتها. من خلال بناء محفظة تتضمن أزواجًا ذات ارتباطات سلبية أو منخفضة بعناية، يمكن للمتداولين وضع أنفسهم في وضع يسمح لهم بالتنقل بين تعقيدات سوق الفوركس والحماية من الخسائر المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ استراتيجيات سليمة لإدارة المخاطر، مثل وضع أوامر وقف الخسارة والتنويع عبر فئات الأصول المختلفة، يعزز قدرة المتداول على التغلب على تقلبات السوق وتحقيق النجاح على المدى الطويل في عالم تداول العملات الأجنبية المليء بالتحديات.