في السنوات الأخيرة، أكتسب استخدام الذكاء الاصطناعي شهرة وزخم كبير في الكثير من المجالات، نظراً لما يمكن ان يقوم به بسرعة وفاعليه كبيرة تتخطى قدرة البشر من حيث الدقة والسرعة. فنجد مثلاً تطوير أدوية او صناعات بإستخدام الذكاء الاصطناعي، والكثير من المؤتمرات الصحفية التي تحذر من ان القدرة الهائلة للروبوت التي كنا نشاهدها في التلفاز مسبقا، قد تتحق، وقد لا يمكن للبشر السيطرة عليها! إحدى المجالات التي إستفادت من دور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، كان التداول.
نظراً لأن التداول في الأساس يعتمد على الأرقام والبيانات، فإنه من المتوقع ان يتم تعليم الآلات كيف يمكنهم إستنتاج المستقبل من هذه التحليلات. في هذه المقالة سوف نعرف ما المقصود بالذكاء الاصطناعي وتعليم الألة، وكيف يمكن ان يُحدث ثورة في عالم تداول الفوركس وتأثيرة على حركة الأسواق بشكلاً عام. سوف نتحدث أيضاً عن الجزء الأكثر أهمية بالنسبة لك، وهو كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل مبسط في تداولاتك اليومية.
فهم الذكاء الاصطناعي
في البداية، من المهم أن نفهم ما يعنيه الذكاء الاصطناعي في الواقع. ويشير الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة الذكاء البشري في الآلات، مما يسمح لها بأداء المهام التي تتطلب عادة الذكاء البشري. أي انه في السابق كان على الأنسان تدريب الألة وبرمجتها على فعل الأشياء، مثلا 1 + 1 = 2، ولكن مع الذكاء الاصطناعي وتعليم الألة، يمكن للألة نفسها ان تتعلم من المواقف المختلفة وتدرب نفسها بنفسها وتتطور.
في تداول الفوركس، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات السوق وتحديد الأنماط وتقديم تنبؤات أو توصيات لاستراتيجيات التداول. وكذلك فهم المؤثرات التي قد تغير في مجرى الأسواق والعمل على فهمها للخروح بإستنتاجات واضحة، يمكن استخدامها.
والتعلم الآلي هو مجال فرعي من الذكاء الاصطناعي يركز على تمكين الآلات من التعلم والتحسين من خلال التجربة دون أن تتم برمجتها بشكل كامل. يمكن لهذه الخوارزميات أن تتكيف وتتطور مع توفر بيانات جديدة، مما يسمح للمتداولين بتقديم تنبؤات أكثر دقة.
تطور الذكاء الاصطناعي في الفوركس
لقد تطور استخدام الذكاء الاصطناعي في تداول العملات الأجنبية بشكل ملحوظ على مر السنين. في البداية، كان يتم اتخاذ قرارات تداول العملات الأجنبية في الغالب من قبل المتداولين البشريين بناءً على التحليل والحدس. ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي وتوافر كميات هائلة من البيانات قد مهدت الطريق أمام الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في مشهد التداول.
قد ساهمت تجارة الفوركس أيضاً في تطور الذكاء الاصطناعي وليس فقط الأستفادة منه، فقد ساهم هذا السوق المربح والضخم في تطوير خوارزميات يمكنها فعل الكثير للمتداولين. فبدلاً من مشاهدة ومتابعة الأسواق المالية وتنفيذ التوصيات بنفسك، يمكنك فقط بضغطة زر ان تتيح لهذه الخوارزميات التداول نيابه عنك.
كيف يمكنك إختيار التقنية المناسبة لك؟
إذا كنت ترغب في الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي في تداول الفوركس، فمن الضروري بالنسبة لك تحديد تقنية الذكاء الاصطناعي المناسبة. فهناك العديد من الخوارزميات والتقنيات التي تعمل بشكل مختلف، فمنها من يقوم بالأستفادة من التغيرات الصغيرة في السوق صعوداً وهبوطاً، ومنها من يقوم بتحليل طويل للسوق وفتح صفقات طويلة الآجل.
لذلك يجب ان تقرأ جيداً عن هذه التقنية، وكيف تعمل بشكل دقيق، وهل تناسب ميزانيتك، لأن بعض الخوارزميات قد تتطلب مبلغاً كحد أدنى في محفظتك لبدء التداول وذلك لإدارة المخاطرة. وهناك بعض المعلومات التي يمكنك ان تضيفها الى الخوارزمية قبل بدء العمل مثل حجم الرافعة المالية، وحجم اللوت. وهناك بعض الأمور التي يمكنك النظر فيها، مثل كيفية إختيار الروبوت نقاط الدخول والخروج، وهل يضع البوت أوامر تشمل نقاط الخروج، أم يغلق الصفقات دون وضع أوامر.
التداول عالي التردد (HFT)
هل جربت ان تتداول بالتوصيات من قبل؟ ان كانت الإجابة نعم، فستدرك ما أقوله لك، ربما تلقيت رسالة من تليجرام بفتح صفقة، ولكن قد رأيتها بعد 10 دقايق وكان السعر قد ارتفع بالفعل ولم تتمكن من ذلك! هذه المشكلة قد تغلبت عليها تقنية التداول عالي التردد، حيث تعتمد في إستراتيجيتها على استخدام خوارزميات قوية وسريعة جداً لتنفيذ وفتح صفقات كثيرة خلال أجزاء من الثانية فقط.
يعتمد التداول عالي التردد على السرعة والدقة للاستفادة من الأختلافات الصغيرة في الأسعار واختلالات السيولة. لقد أحدث استخدام الذكاء الاصطناعي المتمثل في تقنية HFT ثورة حقيقة من خلال تمكين المتداولين من تنفيذ الصفقات بسرعات فائقة والاستفادة من أوجه القصور في السوق على المدى القصير. وعلى الرغم من ان التداول بهذه الطريقة يكون في الغالب مربحاً للغاية، ولكنه قد يكون عرضة للتلاعب وعدم تحمل الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل فترات الأخبار الأقتصادية على سبيل المثال.
تحليل المشاعر بإستخدام الذكاء الاصطناعي
قد يكون الاسم مريباً بعض الشيء، فكيف يمكن للألة وهي التي لا تدرك معنى المشاعر ان تقوم بتحليلها وكذلك الأستنتاج عن طريقها! في الحقيقة تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المسؤولة عن تحليل المشاعر، طرقاً لقراءة المشهد في وسائل التواصل الأجتماعي، والمقالات الإخبارية، ومصادر مقروئة آخرى لقياس المشاعر العامة للناس تجاه السوق.
يمكن استخدام هذه المعلومات لاتخاذ قرارات تداول مستنيرة بناءً على المشاعر السائدة. يمكن لخوارزميات تحليل المشاعر معالجة كميات هائلة من البيانات غير المنظمة واستخلاص رؤى ذات معنى، مما يساعد متداولي الفوركس على توقع تحركات السوق وتعديل استراتيجياتهم وفقًا لذلك. يمكن لتحليل المشاعر قياس معنويات السوق بشكل فعال وإجراء تنبؤات بشأن تحركات السوق المحتملة في السلع والعملات وغيرهم.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدتك؟
بعد أن عرفنا ما هو الذكاء الاصطناعي، وأهميته، حان الوقت لتعرف كيف يمكن ان يساعدك بشكل يومي في صفقاتك وتداولاتك. فيما يلي المجالات التي يمكنك استخدام الذكاء الاصطناعي فيها أثناء تداول العملات والسلع في أسواق الفوركس:
- التحليلات التنبؤية
تؤثر العديد من العوامل، مثل معنويات السوق والمؤشرات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية، على سوق الفوركس. إن تقييم وتفسير كل هذه المعلومات بنفسك أمر مرهق ويستغرق وقتًا طويلاً. بل على العكس من ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي مسح مجموعات البيانات الضخمة بسرعة، واكتشاف الأنماط، ووضع التنبؤات استنادا إلى البيانات التاريخية والوقتية.
يعتمد الذكاء الاصطناعي عادة على التعلم الآلي للتنبؤ باتجاهات سوق الفوركس. على أية حال، تم تصميم خوارزميات الآلة لتقييم بيانات الأسعار في الماضي، والمؤشرات الفنية، وأنماط الرسم البياني، وما إلى ذلك. ثم يتم استخدام المعلومات الناتجة لتحديد الأنماط والاتجاهات، مع الإشارة إلى كيفية تحرك الأسعار.
- التداول الخوارزمي
يهدف التداول الخوارزمي إلى تسريع التداول في سوق الفوركس وجعله أكثر كفاءة. تتميز العملية بنقاط الدخول والخروج ومجموعات مختلفة من الإجراءات أو القواعد حول تحديد المخاطر لمساعدة المتداولين على تنفيذ الأوامر. يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي في التداول الخوارزمي بطرق مختلفة. على سبيل المثال، قد يستخدمها الأشخاص لإنشاء خوارزميات تقوم بمسح الأسواق، والبيانات التاريخية، والأخبار العاجلة، والبيانات في الوقت الفعلي، ونسب الربح/الخسارة، والاتجاهات، وما إلى ذلك.
تحلل التكنولوجيا كل هذه العوامل في بيئة تتغير فيها ظروف السوق باستمرار.وهنا تكمن الميزة الكبيرة التي تتمتع بها الخوارزميات على البشر، ألا وهي السرعة والحجم. عندما تبحث يدوياً عن صفقات مثالية لتنفيذها، قد تقضي الكثير من الوقت في تصفية البيانات وتحديد ما إذا كانت الصفقة المحتملة تتوافق مع كل المؤشرات الصحيحة التي تريدها. وبحلول الوقت الذي تكمل فيه التحليل وتكون جاهزًا لإجراء التداول، قد تكون ظروف السوق قد تغيرت.
- إدارة المخاطر
أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسيًا من إدارة المخاطر في الفوركس. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي وضع أوامر وقف الخسارة التي تخرج تلقائياً من التداول إذا وصل السعر إلى نقطة محددة. تعتبر التكنولوجيا أيضًا حيوية في تطوير استراتيجيات تحديد حجم الصفقة واللوت التي تمكنك من تنظيم رأس المال الخاص بك بناءً على قدرتك على تحمل المخاطر وحجم الحساب.
يساعد الذكاء الاصطناعي المتداولين في تحليل الترابط أيضاً. يمكنك الاعتماد عليه لتقييم العلاقة بين أزواج العملات المختلفة. لذلك من الأسهل معرفة الأزواج التي تتحرك في اتجاهات مماثلة وأيها تتخذ مسارات معاكسة. ونتيجة لذلك، يمكنك تجنب العمل مع أزواج مترابطة للغاية في استراتيجيات التداول الخاصة بك وتقليل التعرض المفرط للخسارة لنفس تحركات السوق.
هل يجب الأعتماد ففط على الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي كما عرفنا انه يوفر لك الكثير من المميزات واقتناص الفرص السريعة التي قد لا تتمكن بمفردك القيام بها بسرعة وبفاعليه كما تقوم بها الألة. ولكن من الضروري تحقيق التوازن بين الأتمتة والخبرة البشرية في تداول العملات الأجنبية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمل عملية صنع القرار البشري دون أن يحل محلها بالكامل. ولذلك، فإن إيجاد المزيج الصحيح من الاستفادة من التكنولوجيا وتسخير الإدراك البشري لتتدخل بفهم ان احتاج الأمر لذلك.
فحتى الذكاء الاصطناعي له بعض العيوب والمحدودية، فيمكنك ان تقييم قدرة الذكاء الاصطناعي على التداول في مختلف السلع والعملات والقيمة التي يمكن ان يضيفها لك. فينصح الخبراء بضرورة الأشراف البشري على عمليات التداول التي تقوم بها الخوارزميات، لتحسينها او لوقفها في حالة وجود أعطال لتقليل الخسارة المحتملة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في تداول الفوركس
يبدو مستقبل الذكاء الاصطناعي في تداول العملات الأجنبية واعدًا. من المتوقع أن تؤدي التطورات في معالجة البرمجة والتعلم العميق والتعلم المعزز إلى تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الفوركس المعقدة وإجراء تنبؤات دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنية البلوكتشين يحمل القدرة على إحداث ثورة في تداول العملات الأجنبية بشكل أكبر.
يمكن للعقود الذكية المدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تسهل معاملات فوركس الشفافة مما قد يقلل من أوقات التسوية. لذلك فإن البدء من الآن بإستخدام الذكاء الاصطناعي في تداولاتك قد يكون الأمر الأكثر اهمية لك حتى وان لم تستفد منه بشكل كبير، لتتعرف عليه لتسخدمه مستقبلاً وتكون على دراية بتطوراته السريعة.
كيف يمكنك إستخدام الذكاء الاصطناعي؟
انظر، هناك العديد من الطرق لذلك، وأشهرها هو منصات ووسطاء التداول نفسهم، فالكثير من المنصات توفر طرقاً للتداول الآلي. على سبيل المثال منصة CMTrading توفر مميزات التداول الآلي وتوفر أيضاً طريقة الحصول عليها من منصة ميتا تريدر 4.
وهناك ايضاً مزودين لهذه الخدمات بشكل حر، ويمكنك ربطها مع منصة ميتا تريدر 4 لتتمكن من استخدامها. قد تكون هذه الخوارزميات مجانية أو مدفوعة ويلزم تجديدها بشكل شهري. تذكر ان تهتم بالأمور الخاصة بإدارة المخاطر واستخدام اللوت المناسب لحسابك ومحفظتك الاستثمارية.
الملخص
في الختام، لقد أحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً في تداول الفوركس من خلال تحسين عملية صنع القرار، وزيادة الكفاءة، وتخفيف المخاطر. من التعلم الآلي والتداول عالي التردد إلى تحليل المشاعر والمستشارين الآليين، يمكنك الاستفادة من إمكانيات جديدة وسريعة.
مع استمرار تقدم التكنولوجيا، من المتوقع أن يتوسع دور الذكاء الاصطناعي في تداول العملات الأجنبية، مما يشكل مستقبل سوق الصرف الأجنبي باهر. ومع ذلك، من المهم معالجة الاعتبارات الأخلاقية وضمان الاستخدام المسؤول والعادل للذكاء الاصطناعي في تداول العملات الأجنبية للحفاظ على سلامة السوق وحماية محفظتك.