بعد الصراع الايراني في الشرق الأوسط ودخولها الحرب بشكل صريح وواضح، انخفض سعر البيتكوين بشكل كبير حتى وصل الانخفاض الى 4000 دولار أمريكي لكل بيتكوين، وهو رقم ضخم في الانخفاض السريع والكبير. جعل هذا الانخفاض، الكثير من المتداولون يتسألون عن تأثير الحروب والنزاعات السياسية على اسواق العملات الرقمية، وخصوصاً ان هذه الأسواق لا يوجد بنوك مركزية تنظم اسعارها، فكيف تنخفض ولماذا! نعم نعلم جميعاً التأثير على الذهب كملاذ أمن او النفط او حتى اسهم الشركات والسندات، ولكن تطور الوضع وأحداث تأثيرات كبرى في عالم العملات الرقمية أثار حفيظة المتداولين.
أهتم العالم وخصوصاً اصحاب الثروات بالعملات الرقمية والمشفرة، كملاذ أمن بعيداً عن العملات الورقية المتأثرة بالتضخم او الحروب، ولكن مع تجربة الكثير من الأزمات، أتضح ان حتى هذه العملات تتأثر بهذه العوامل. ان فهم التأثيرات والتوترات الجيوسياسية، تمكنك من توقع التأثير على العملات الرقمية بشكل عام وعلى البيتكوين Bitcoin بشكل خاص، وخصوصا ان مجتمع العملات الرقمية ينظر إليه على انه المرجع لجميع العملات الأخرى. في هذه المقالة، سوف نتحدث عن العملات المشفرة والبيتكوين وكيف تتأثر بالحروب، مع ذكر أمثلة عملية حديثة، سواء على تأثير الصراع الإسرائيلي الإيراني او الروسي الأوكراني، تابع المقال للنهاية لتعرف ما وراء الكواليس!
البيتكوين – من الفكرة الى الحرب
منذ ظهور البيتكوين والتي اطلقها كيان او مؤسسة مجهولة تحت اسم مستعار وهو “ساتوشي ناكاموتو” وذلك عام 2009 ميلادياً، كأول عملة لا مركزية على شبكة الأنترنت، وبدون اي سلطات تنفيذية، وقد جذبت انظار المتداولين وأثارت الجدل. تكمن اثارة الجدل بالنسبة لهذه العملة في الطفرة التي تقدمها، فبدلاً من حبس الأموال والثروات في سجون البنوك والمؤسسات التقليدية، انطلقت الثروات على هيئة أكواد ويتم نقلها من نظير الى نظير. وهو ما جعل المتداولين والمستثمرين بين شقي الرحى، أما ان يبدئون رحلتهم في تداول عملة مجهولة ولكنها بدون قيود، او عدم مجاراة الحاضر والتمسك بالماضي!
نعم الأمر اشبه بالمغامرة، فالدخول وشراء البيتكوين حتى ولو كان بثمن زهيد، ولكنه شراء لمجهول، اما ان تخسر او تربح. الداعمون لعملة Bitcoin كانوا يرون انه تحوط محتمل ضد الأنظمة المالية التقليدية، وخاصة في وقت الأزمات والحروب. ومع ذلك بمجرد الدخول في الحرب او حتى شائعة الدخول في الحرب، نجد ان هذه العملة اليوم تترنح وترقص على مخطط الأسعار بين الهبوط والارتفاع، وفي الغالب تستقر في الهبوط.
تأثير الحروب على الأسواق المالية
تسببت الحروب تاريخياً في تعطيل الأسواق المالية العالمية التقليدية، والبورصات العالمية أيضاً. وعندما تظهر الصراعات وتبدأ حالة عدم الاستقرار العالمية، غالباً ما تنخفض أسواق الأسهم، حيث تتجه معنويات المستثمرين ومشاعرهم إلى الخوف والهبوط. وعلى عكس ذلك تماماً، عادة ما ترتفع أسعار السلع الأساسية مثل الذهب والنفط لأنها تعتبر مخازن القيمة، والملاذ الأمن الذي يهرب إليه المستثمرون وقت الأزمات. على سبيل المثال، خلال حرب الخليج والصراع الروسي الأوكراني الأخير، ارتفعت أسعار الذهب بينما انخفضت أسواق الأسهم.
تؤدي الحروب إلى عدم الاستقرار الاقتصادي وذلك بسبب تعطيل طرق التجارة والملاحة، وتضخم التكاليف، وعدم فهم المستثمرين او قدرتهم على توقع ما سيحدث، وهو ما يجعلهم يتعطلون وينتظرون وضوح الرؤية. الأمر تماماً كقبطان سفينة لا يعرف طريقة، فيخاف من الابحار في اتجاه عشوائي، فينصدم بالجزر ويفقد كل شيء! يدفع هذا الشعور بعدم اليقين المستثمرين إلى البحث عن ملاذ آمن في الأصول مثل الذهب والفضة. ولكن أين تقع عملة البيتكوين في هذه المعادلة؟
هل البيتكوين ملاذ آمن في أوقات الحروب والأزمات؟
يتم مقارنة البيتكوين بـ “الذهب الرقمي” بسبب العرض المحدود والطبيعة اللامركزية. عملة البيتكوين لا يتم طباعة الجديد منها، اي ان المعروض ثابت على مدار الزمن ويتغير الطلب عليه حسب ظروف السوق. مثل الذهب، لا يخضع للضغوط التضخمية الناتجة عن طباعة الحكومات والبنوك المركزية للنقود، وخاصة أثناء الحرب. وقد دفع هذا بعض المستثمرين إلى التعامل مع البيتكوين كمخزن للقيمة أثناء عدم اليقين الاقتصادي.
هذا الأمر نظرياً، فهو ثابت، ولكن عملياً وخصوصاً مع مراقبة الأسواق خلال الصراعات الأخيرة مثل حرب روسيا وأوكرانيا والصراع الإسرائيلي الإيراني المستمر أن سلوك البيتكوين أثناء الأزمات الجيوسياسية ليس بهذه البساطة. في حين يلجأ البعض إلى البيتكوين كبديل للعملات التقليدية، يتخلى عنها آخرون لصالح أصول أكثر أماناً وثقة وتحظى باعتراف عالمي مثل الذهب. غالباً تقدم تقلبات البيتكوين في أوقات الحرب فرصاً وتحديات للمتداولين، فأما فهم اتجاه السوق في هذا الوقت، اما الانجراف مع التيار.
الصراع الروسي الأوكراني: ماذا حدث في البيتكوين؟
“الكل يغني على ليلاه” ذلك المثل الشهير الذي يتحدث ويعبر عن الوضع في هذه المقالة، ففي ظل الحروب والأزمات ومحاولة الدول من تهدئة الوضع او ايجاد طريق آمن للخروج من الأزمة، نجد انفسنا نحلل الوضع المالي للبيتكوين! نعم، هذا الأمر شهير وطبيعي جداً، فالتجارة في أوقات الأزمات اما ان تؤدي الى ربح خرافي، او خسارة قد لا تستطيع تعويضها. توفر حرب روسيا وأوكرانيا والتي بدأت في فبراير 2022 ميلادياً، رؤي قيمة ومهمة حول سلوك اداء البيتكوين أثناء الاضطرابات الجيوسياسية. فمع ازدياد فرض العقوبات على روسيا ومواطنيها، وانخفاض قيمة الروبل (وهي العملة الرسمية لروسيا)، وجد الكثير من الروس ملجأ في البيتكوين كوسيلة لحماية ثرواتهم من التضخم او لتحويل الأموال من دولة الى اخرى دون رقابة دولية او منع دولي.
في نفس الوقت، قام الكثير من المؤيدين لأوكرانيا بتقديم التبرعات بالبيتكوين، وذلك لسرعة التحويل او خوفاً من التعقب القانوني، وخصوصاً انها عملة لا مركزية، لا تعتمد على اي انظمة مالية تقليدية. حتى الآن أمور البيتكوين مستقرة نظرياً، ولكن خلال الحرب الأوكرانية، وكلما زادت شدة وعنف، وخصوصاً في يونيو 2022 – اي بعد حوالي 4 شهور من بدء الحرب – انخفضت قيمة البيتكوين لأكثر من 70% من قيمتها (مقارنة لما كانت عليه في نوفمبر 2021 وهو اعلى مستوى). ولكن لماذا هذا الانهيار؟
تم نشر ورقة بحثية بخصوص هذا الأمر ودراسته بشكل علمي، ووجد الباحثون بعد مراجعة الأرقام وظروف السوق ومعنويات المستثمرين حول العالم، سواء المعنيين بالحرب او غير المهتمين بها. انه مع ان الحرب أدت في البداية الى دفعة قوية للـ Bitcoin من خلال التحويلات سواء من الجانب الروسي او الجانب الأوكراني، إلا ان الحرب جعلت الناس يحتاجون الى السيولة لقضاء حوائجهم، وهو ما دفعهم الى بيع العملات المشفرة مقابل الكاش. اي ان الارتفاع كان مؤقت للبيتكوين ومدفوعاً بالتحويلات والتبرعات، ولكنه لم يكن ابداً ملاذاً أمناً للجانب الروسي الذي تعرض للتشديد والحصار المالي.
العوامل المؤثرة على تحرك سعر البيتكوين أثناء الحرب
كما شاهدنا في المثال السابق الخاص بالصراع بين روسيا وأوكرانيا، بان حركة البيتكوين يمكن ان ترتفع او تنخفض حسب الظروف المؤثرة في السوق، فلا يوجد نمط ثابت يمكن ان نتوقعه بنسبة 100%. لذا من المهم ان نتفهم بشكل جيد طبيعة العوامل المؤثرة وكيف يمكنها ان تحرك الأسواق، فيما يلي أشهر العوامل المؤثرة بقوة على البيتكوين في اوقات الأزمات:
- الدخول في النفق الآمن
خلال الأزمات الجيوسياسية، يلجأ الكثير من المستثمرين وخصوصاً من لا يحبون المغامرة الى أصول قوية لضمان ثبات القيمة وعدم العصف بمدخراتهم. تاريخياً وعلى عقود طويلة، ظل الذهب والسندات الحكومية (أدوات الاستدانة للحكومات) يؤديان هذا الدور بشكل مثالي. ومع ذلك، فان النظرة الى البيتكوين كملاذ آمن تتطور، فيرى بعض المستثمرين ان البيتكوين وسيلة للتحوط وكذلك استثمار مربح على مدى البعيد، وهي عملات بعيدة عن التضخم الذي يحدث في عالم العملات الورقية القديمة، بينما يتخلى البعض عن هذه العملات لصالح أصول أكثر استقرارا.
ففي حالة الحرب الروسية الأوكرانية، كانت كفة التخلي عن البيتكوين بعد اشتداد الحرب أكثر من كفة الاحتفاظ به، وهو ما أدى الى الانخفاض الكبير بعد 4 أشهر. لذا من المهم ان تقيم الوضع، فكر في الحرب بعين المستثمر قبل عين المتداول الذي يريد ان يربح بشكل سريع من تحركات مفاجأة، وحاول الإجابة عن الأسئلة التالية. هل سيثق المستثمرين في العملات المشفرة والبيتكوين الآن؟ هل هناك تضييق مالي على بعض الدول تدفع مواطنيها الى استخدام البيتكوين؟ الى اي مدى يمكن ان يزيد استهلاك وشراء البيتكوين وهل التأثير سيكون قوي أم لا؟ ان وجعت اجابة الى هذه الأسئلة من خلال متابعة الأخبار يمكنك ان تتوقع ما سيحدث.
- احتياجات المستثمرين الى سيولة
في أوقات الحروب، وخاصة بين الدول العظمي وذات النفوذ القوي والتي لديها انظمة مالية معقدة وكبيرة، تفرض هذه الدول عقوبات مالية وتستخدمها كأداة للضغط على الطرف الآخر. ان اراد المستثمرين بعض السيولة ولديهم أموال مجمدة في دول كبري، فبالتأكيد سيلجأ هؤلاء الى الأموال التي لا تسيطر عليها الحكومات، وبالتأكيد هي العملات المشفرة، فلا رقيب لها ولا سلطة تحدد اي شيء. وخصوصاً ان قام احد حيتان السوق بعمليات بيع ضخمة، فيمكن ان تؤثر على اسعار السوق سلباً، ومصطلح الحيتان يُطلق على من لديهم مخزون كبير من العملات ويمكن لهم تحديد مصير السوق من خلال عمليات البيع او الاستحواذ.
- اهتمام المتداولين بأخبار الحرب
في دراسة تم نشرها عام 2022 ميلادياً، اظهرت ان معدل عمليات البحث على جوجل بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية، كان لها علاقة بتحرك أسعار العملات المشفرة بشكل عام. فكلما زادت معدلات البحث عن اخبار الحرب، انخفضت اسعار العملات الرقمية، وكان لها تأثير سلبي، حيث يخاف المتداولين والمستثمرين ويذهبون الى الأصول الآمنة. لذا، فان كان الحرب ذات شهرة عالمية ومحل اهتمام دولي بين المتداولين، فيمكنك توقع تأثير كبير على السوق، وبالتأكيد بالسلب في اوقات الأزمات والحروب.
الصراع الإسرائيلي الإيراني: البيتكوين مقابل الذهب كملاذ آمن
في أكتوبر 2024، أثار الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران مثالاً آخر على تقلب البيتكوين أثناء الحرب. بعد أن شنت إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل، انخفض سعر البيتكوين بمقدار 4000 دولار في غضون ساعات وهو ما أثار تفاعل كبير من المتداولين وحتى وكالات الأنباء. وفي الوقت نفسه على الجانب الأخر، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 1.4٪ إلى 2665 دولاراً للأوقية، وهو أقل بقليل من أعلى مستوى لها على الإطلاق. كما ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 7٪ بعد ان تفاعل واستجاب المستثمرون والمتداولين لتهديدات الحرب والتداعيات في الشرق الأوسط.
في احدى المقالات التي تم نشرها خلال الأيام الماضية، كتب جيروين بلوكلاند ملاحظاته، وهو مؤسس صندوق بلوكلاند الذكي متعدد الأصول للاستثمار المالي، أن المستثمرين كانوا يبيعون البيتكوين لشراء أصول أكثر أمانًا مثل الذهب. ويوضح هذا التوجه حقيقة أن الذهب يظل الأصل الآمن المفضل في أوقات الحرب، في حين لا يزال يُنظر إلى البيتكوين، على الرغم من طبيعته اللامركزية، على أنه أكثر تقلباً وعرضة لعمليات بيع كبيرة.
تجارب صواريخ كوريا الشمالية والبيتكوين
خلال تجارب الصواريخ التي أجرتها كوريا الشمالية عام 2017، شهد كلاً من البيتكوين والذهب ارتفاعات في الأسعار، حيث سعى المستثمرون إلى الهروب من الاضطرابات المتوقعة في السوق. حيث ارتفع سعر البيتكوين إلى ما يزيد عن 4600 دولار، وتم تداول الذهب عند 1326 دولار للأوقية، وهو ما يوضح ان اسعار البيتكوين يمكن ان ترتفع حسب مزاج السوق ورؤية المتداولين والاتجاه العام، والأمر لا يشبه الطريق المستقيم دائماً. وبالمثل، خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بين 2018 و 2020، تقلبت أسعار البيتكوين وذلك لزيادة التوترات التجارية بين عمالقة التجارة في العالم.
كيف تتداول أثناء الحرب؟
يمكن للمتداولين اعتماد واستخدام العديد من الاستراتيجيات والنصائح، والتي يمكن ان تخفف من التقلبات المحتملة في السوق أثناء الصراعات وعدم وضوع الرؤية. من ضمن هذه الاستراتيجيات ما يلي:
- التحوط بالذهب
كما رأينا في الأمثلة السابقة، سواء ان ارتفع او انخفض البيتكوين في الأزمات والحروب، فان العنصر الأساسي الذي يرتفع هو الذهب! غالباً ما يكون أداء الذهب افضل من البيتكوين وقت الحرب، ولكن في الوقت نفسة، البيتكوين هو الأكثر تذبذباً، وهو ما يجعله الخيار الأفضل للتداول قصير المدى والأستفادة بالتقلبات السعرية. يمكنك ان تستثمر جزء من اموالك في الذهب وكذلك التنويع بين الأصول الأكثر أماناً، او تجنب التداول في مثل هذه الفترات.
- التداول قصير المدى
نظراً لتقلبات السوق، يمكنك ان تفتح صفقات يومية للاستفادة من هذه التقلبات، بالتأكيد بعد إجراء التحليل الفني والأساسي، او حتى اتباع نصائح الخبراء. يمكنك استخدام ادوات التحليل المتقدمة مثل المتوسطات المتحركة، وأداة فيبوناتشي، مؤشر بولينجر وغيرهم لفهم وتوقع الأسعار التالية.
- فهم ما يجري
البقاء على اطلاع بما يجري حولك في العالم امر أساسي ان قررت التداول في وقت الحرب، فيمكن لخبر واحد مثل وقف اطلاق النار او الهدنة المؤقتة ان تقلب السوق رأساً على عقب. او حتى اخبار سلبية، مثل تصعيد عسكري او دخول دولة جديدة في الحرب وانضمام اطراف آخري، وهكذا، كن دائماً على وعي بما يحدث، وتوقع الخطوات التالية واتخذ قرارات سريعة.
الملخص
بشكل سريع، يميل البيتكوين الى الهبوط في اوقات الحروب، فمعظم الأمثلة والحروب السابقة ادت الى انخفاض البيتكوين لمستويات كبيرة، أي ان الأمر ملحوظ ولا يُستهان به. قد تحدثنا في هذه المقالة عن البيتكوين وكيف يعمل، وكيف يمكن للشبكة اللامركزية ان تفيد المتداولين والمستثمرين في العالم لتوفير طريقة لنقل الأموال والثروات دون اللجوء لبنوك مركزية. ينصح الخبراء المتداولين في اوقات الازمات بالتروي، واتخاذ اجراءات حماية المخاطر بشكل قوي، فمثلاً يجب اضافة الذهب الى المحفظة الاستثمارية لأنها الملاذ الآمن الذي يثق به رواد وحيتان العالم. لا يمكن الوثوق في البيتكوين واعتباره مخزن للقيمة وملاذ امن، إلا انه يمثل اداة مهمة للتداول اثناء الازمات نظراً لتذبذبه، فيمكن الاستفادة منه في الصفقات اليومية وقصيرة المدى.