الأسواق المتقلبة هي تلك الأسواق التي تقرأ عنها في الجرائد الإخبارية، أخبار ساخنة مثل انهيار سوق النفط، أو ارتفاع جنوني في اسعار الذهب العالمية، هنا نجد ان الاخبار تشير الى ارتفاع او انخفاض غير مسبوق او متوقع في فترة زمنية منخفضة. هل هذه الأمور شائعة؟ بالرغم من ان انهيار او ارتفاع الاسواق بشكل جنوني امور غير شائعة في الأسواق المستقرة، إلا انها شائعة في الأسواق الناشئة، وبغض النظر عن ذلك، بمجرد حدوث التقلب، يمكن ان يعصف بمدخراتك ومحفظتك الاستثمارية في ثواني معدودة ان ارتكبت بعض الأخطاء!
ان التداول في الأسواق المتقلبة، يتطلب اتباع استراتيجيات قوية وفهم قوي لإدارة المخاطر، حيث يمكن لتلك الأسواق ان تحقق لك مكاسب كبيرة او خسائر لا يمكن تحملها، لذا تمكن قوة هذه الاستراتيجيات على قدرة تحمل المتداول على الخسارة الصغيرة، وتجنب الانزلاق. ان التعرف على المشاكل والأخطاء التي يمكن ان تسبب خسائر كبيرة، وتجنب تلك الأخطاء، يمكن ان تزيد من فرص ربحك وتجعلك قادر على التداول بثقة. في هذه المقالة سوف نتعرف على اهم واشهر الأخطاء التي يرتكبها المتداولين في سوق الفوركس، ومحاولة تفاديها.
فهم تقلبات السوق
واحدة من اكثر الأخطاء التي يقع بها المتداولون هي عدم فهم سبب ومعدل تقلبات السوق، حيث ان تقلبات السوق ببساطة هي مقياس لمعدل وحجم التغيرات في أسعار الأصول المالية سواء العملات او السلع او الأسهم او المؤشرات. تتميز التقلبات العالية بارتفاع او انخفاض كبير في الأسعار، ويكون في الغالب مدفوع بأحداث إخبارية او بيانات اقتصادية او احداث جيوسياسية مثل الحروب والعمليات العسكرية، وهو ما يشكل نقطة فارقة في معنويات المتداولين.
- فهم اسباب التقلب: قبل الدخول في السوق يجب ان تفهم اسباب التقلب، هل هي تتعلق بالمؤشرات الاقتصادية (مثل معدلات التضخم او ارقام التوظيف او تغير سياسات الصرف ومعدل الفائدة) أم انها تتعلق بالأحداث العالمية الجارية (مثل عدم الاستقرار السياسي او الحروب). وهناك اسباب اخرى لكل سوق، فمثلاً في سوق الأسهم، يمكن لخبر واحد او تغريده من احد المؤسسين ان يقلب السوق. والأمر الذي ظهر منذ 2019 وهو تأثير الأمراض على التداول، فكلما انتشر مرض، يمكن ان يؤدي ذلك الى انتعاشه في سوق شركات الأدوية، وهو ما حدث في جائحة كوفيد 19، وذلك لعد اليقين المفاجئ، وهو ما ادى ايضاً الى تقلبات كبيرة في السوق كله.
- التأثير على التداول: تخلق التقلبات العالية فرصاً كبيرة للربح وايضاً احتمالات كبيرة للخسارة! يمكن للمتداولين اليقظين الحصول على ارباح اكثر في الأسواق المتقلبة ان توقعوا بنجاح تحركات الأسعار، ومع ذلك فان المخاطر تزيد أيضاً. يمكنك استخدام مؤشر التقلبات VIX لقياس التقلبات في السوق في الوقت الراهن، بالمقارنة بما حدث في الماضي، لتتوقع ما اذا كان السوق في حالة استقرار او تقلب.
عدم وجود خطة تداول قوية
إن التداول بدون خطة هو أحد أكثر الأخطاء خطورة التي يمكن ان يقوم بها المتداول في سوق متقلب. تقدم خطة التداول المحددة جيدًا دليلاً لاتخاذ القرار، مما يساعد المتداولين على التصرف بثبات وانضباط بدلاً من الاستجابة عاطفيًا لتقلبات الأسعار.
مخاطر التداول بدون خطة: في الأسواق المتقلبة، يمكن أن تكون القرارات الاندفاعية خطيرة جداً، ولها تكلفة باهظة. قد يطارد المتداول الذي لا يمتلك خطة واضحة ارتفاعات الأسعار، أو يتخذ قرارات متسرعة، أو يفشل في الالتزام بأهدافه.
لبناء خطة تداول بسيطة، يمكنك ان تهتم بتلك العناصر:
- تحديد نقاط الدخول والخروج: تساعد نقاط الدخول والخروج المحددة المتداولين على تجنب “الخوف من تفويت الفرصة” (FOMO) وضمان الاستفادة من تحركات الأسعار.
- قواعد إدارة المخاطر: تعمل مستويات وقف الخسارة وجني الأرباح المحددة مسبقًا على تقليل مخاطر الخسائر الكبيرة.
- الأهداف طويلة الأجل: تعمل خطط التداول التي تتوافق مع الأهداف المالية الأوسع على تعزيز النهج المنضبط، وخاصة في البيئات عالية التقلبات.
الاستخدام الخاطئ للرافعة المالية
الرافعة المالية سلاح ذو حدين، فهي تسمح للمتداولين بفتح صفقات بأحجام أكبر برأس مال قليل للغاية، إلا انها تعمل أيضًا على زيادة الخسائر بنفس الحجم. في التداول بالرافعة المالية، يقترض المتداول أموالاً من شركة الوساطة لفتح صفقات أكبر. على سبيل المثال، مع رافعة مالية 10x، تؤدي حركة السعر بنسبة 1% إلى ربح أو خسارة بنسبة 10% بالنسبة لرأس المال الفعلي للمتداول.
في الأسواق المتقلبة، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام الرافعة المالية إلى خسائر سريعة وكبيرة. على سبيل المثال، خلال انهيار السوق في عام 2020، تم تصفية الصفقات ذات الرافعة المالية العالية بسرعة مع انخفاض الأسعار، مما أدى إلى أضرار مالية كبيرة للعديد من المتداولين. تُظهر البيانات الصادرة عن بنك التسويات الدولية (BIS) أن المتداولين الذين يستخدمون رافعة مالية عالية لديهم احتمال أعلى بنسبة 70% لتكبد خسائر كبيرة في ظل ظروف متقلبة مقارنة بأولئك الذين يستخدمون رافعة مالية قليلة أو بدون استخدام اي رافعة مالية.
عواطفك قد تجرك للطريق الخطأ
غالبًا ما تؤدي الأسواق المتقلبة إلى إثارة الكثير من العواطف، مثل الخوف والجشع والثقة المفرطة (وخصوصاً ان جنيت بعض الأرباح في البداية). يمكن أن يؤدي التداول بناءً على العواطف إلى اتخاذ قرارات متسرعة وخسائر كبيرة. فقد تدفعك الخسارة الى محاولة الانتقام وتعويض ما خسرته، وهو ما سيؤدي بالتأكيد الى اتخاذ قرارات دون دراسة وبدافع الانتقام والنتيجة ستكون الخسارة المؤكدة. وعلى الجانب الأخر، قد يدفعك خوفك الى الخروج من السوق وعدم الالتزام بخطتك وهو ما قدر يضيع عليك فرص الربح والمشاركة في السوق.
الحل في الانضباط: الانضباط أمر بالغ الأهمية لنجاح التداول وخصوصاً في الأسواق المتقلبة. يمكن للمتداولين بناء واكتساب الانضباط من خلال اتباع خطة التداول الخاصة بهم، وتحديد حدود المخاطر المحددة مسبقًا، والتحلي بالصبر. يمكنك ايضاً تدوين عمليات التداول الخاصة بك في “دفتر تداول” لتتبع القرارات ونتائجها واستخدامها في تحليل وتحسين استجاباتك العاطفية لتقلبات السوق.
عدم اجراء تحليل للسوق
يعتمد التداول الناجح في الأسواق المتقلبة بشكل كبير على البحث والتحليل الشامل. وقد يؤدي تجاهل التحليل الفني والأساسي إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة، او على اقل تقدير غير كاملة. فهذه التحليلات تعطي لك الكثير من الرؤى التي تمكنك من اتخاذ قرار شراء او بيع، ومتى تفتح الصفقة ومتى تغلقها سواء على مكسب او حتى بالخروج بأقل الخسائر.
- التحليل الفني: يتضمن التحليل الفني مراجعة مخططات الأسعار السابقة، وتوقع ما سيحدث مستقبلاً من خلال ما حدث في الماضي، فالسيناريوهات تعيد نفسها في الغالب. يشمل التحليل الفني دراسة أنماط تحرك الأسعار والمؤشرات للتنبؤ بحركات الأسعار المستقبلية. توفر المؤشرات، وهي ادوات مدمجة في منصة التداول ميتاتريدر وتقوم بالتحليل في الوقت الفعلي، مثل تقارب المتوسط المتحرك وتباعده (MACD) ومؤشر القوة النسبية (RSI) رؤى حول اتجاهات السوق، والتي يمكن أن توجه المتداولين في تحديد أفضل نقاط الدخول والخروج.
- التحليل الأساسي: التحليل الأساسي ببساطة هو ما يجعل المتداول قادر على تحديد القيمة الفعلية للأصول المختلفة، بغض النظر ان تحركها. يشمل التحليل الأساسي تقييم البيانات الاقتصادية وأداء الشركة بالنسبة للأسهم، وكذلك بيانات واصدارات البنوك المركزية بالنسبة للعملات الحقيقية، او حتى الأخبار والأحداث الاقتصادية والسياسية. على سبيل المثال، يجب على متداول العملات تتبع إصدارات البيانات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي وأرقام التوظيف والتضخم لتوقع الأحداث المحتملة التي قد تحرك السوق.
سوء تقدير نقاط الدخول والخروج
في الأسواق المتقلبة، يعد تحديد توقيت نقاط الدخول والخروج أمرًا بالغ الأهمية ولكنه يعتبر من الأمور الصعبة حتى المتداولين المحترفين، فيمكننا اعتباره تحدي! يمكن أن تؤدي الصفقات التي تتم في توقيت سيئ إلى تفويت فرص الربح أو الخسائر التي كان يمكن تجنبها.
تحديات توقيت السوق: يمكن أن تتسبب التقلبات في حدوث تقلبات حادة في الأسعار، مما يجعل من الصعب تحديد توقيت الصفقات بدقة، وخصوصا ان التقلب السريع قد يجعلك غير قادر على فتح الصفقة للشراء بالسعر المناسب. قد يرى المتداول الذي يدخل صفقة قبل الأوان انخفاض الأسعار بشكل أكبر، بينما قد يفوت المتداول الذي يخرج مبكرًا مكاسب محتملة.
استراتيجيات لتحسين التوقيت: يمكن أن يساعدك استخدام المؤشرات الفنية مثل Bollinger Bands، التي تقيس التقلبات، حيث يمكنك تحديد فترات التقلبات العالية والمنخفضة لتحديد توقيت صفقاتك بدقة أكبر. تشير الأبحاث التي أجرتها مجلة “Financial Analysts Journal ” إلى أن المتداولين الذين يستخدمون أدوات التوقيت الفنية يقللون من خسارتهم بنسبة تصل إلى 15٪ في الأسواق المتقلبة.
التداول عكس الاتجاه
لنفترض ان هناك سهماً ينخفض بشدة في السوق، نظراً لبعض الأخبار الاقتصادية الخاصة بانهيار الشركة، فبعض المتداولين يجدون الشراء من القاع فرصة للمكسب بعد التعافي. ولكن هذه المحاولة محفوفة جداً بالمخاطر، وخصوصاً في ظل الانهيار والتقلب، وقد تجعلك غير قادر على غلق الصفقة اذ اكمل السوق انهياره الى مستويات غير متوقعة، حيث ان الأسواق المتقلبة وقت الانهيارات قد لا يمكن توقع الى متى ستوقف نزيفها.
يعد اتباع الاتجاهات السائدة، بدلاً من محاولة التنبؤ بالانعكاسات، طريقة واستراتيجية أكثر أمانًا في الأسواق المتقلبة. يمكن أن تساعد المؤشرات مثل مؤشر الاتجاه المتوسط (ADX) المتداولين في تحديد قوة الاتجاه، مما يسمح لهم بتجنب مخاطر الاتجاه المعاكس.
إهمال التنويع
في ظل الظروف المتقلبة، يكون التركيز على الاستثمارات في أصل أو قطاع واحد محفوفًا بالمخاطر بشكل كبير، وخصوصاً ان الانهيارات الكبرى تجعل القطاع او الصناعة بشكل كامل تنهار وتنخفض. عليك بالتنويع في استثماراتك بين اصول لا علاقة لها ببعضها البعض، حيث يعمل التنويع على توزيع المخاطر على أصول متعددة.
من خلال الاستثمار في مزيج من الأصول، مثل الأسهم والسندات والسلع الأساسية، يعمل المتداولون على تقليل تأثير الأداء الضعيف لأصل واحد. كما يعمل التنويع على تقليل المخاطر، مما يساعد المتداولين على الحفاظ على رأس المال. على سبيل المثال، قد يتحوط المستثمر في سوق الأسهم المتقلبة ضد المخاطر من خلال الاستثمار في أصول أقل تقلبًا مثل السندات أو صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة. تساعد هذه الاستراتيجية في التخفيف من الخسائر التي يمكن ان تحدث من انخفاض الأصول بشكل فردي.
الأسئلة الشائعة
إليك بعض اشهر الأسئلة تداولاً:
هل هناك مخاطر للتداول في الأسواق المتقلبة؟
بالتأكيد، ان لم يكن لديك رؤى واضحة وخطة قوية للتداول في هذه الأسواق الشرسة، لا تتداول! يمكن لصفقة واحدة ان تزيد ارباحك بشكل كبير وبسرعة كبيرة، ويمكنها ايضاً ان تكبد خسائر قد لا تتحملها وخصوصاً ان كنت مبتدئاً.
كيف يمكنني حماية محفظتي الاستثمارية في الاسواق المتقلبة؟
لحماية مدخراتك واستثماراتك عليك باستخدام أدوات ادارة المخاطر، والتي تشمل وضع اوامر وقف الخسارة والاهتمام بتنويع الصفقات في قطاعات مختلفة وصناعات متنوعة حتى لا تتقلب جميع الصفقات في وقت واحد. كما يمكنك الحد من استخدام الروافع المالية، والتي يمكنها تكبيدك الكثير من الخسائر، او تقليلها قدر الإمكان. من المفيد أيضاً البقاء على اطلاع ومتابعة المفكرة الاقتصادية لتجنب التداول في اوقات الاخبار والتي تكون في الغالب اوقات متقلبة.
هل من الجيد التداول بناءً على الأحداث الإخبارية فقط؟
يعتمد الكثير من المتداولين على التداول بناءاً على الأحداث الإخبارية فقط، ولكنه امر محفوف بالمخاطر، وخاصة في الأسواق المتقلبة، حيث ان المتداولين يفتحون صفقات في اتجاهات مختلفة، وتكون حركات الأسعار غير متوقعة في تلك الفترات. في الغالب تتسبب الأخبار في حدوث ارتفاعات قصيرة المدى، ولكن قد لا تعكس هذه الارتفاعات اتجاهات طويلة الأجل، اي ان هذا الارتفاع قد لا يستمر وتنقلب الأسواق. وفي حين أن البقاء على اطلاع أمر مهم، فمن الأفضل استخدام الأخبار كجزء من استراتيجية أكبر تتضمن التحليل الفني والأساسي.
هل يمكن ان تؤثر الثقة بالنفس على التداول في الاسواق المتقلبة؟
انظر، ان الثقة بالنفس أمراً محموداً وجيداً بالتأكيد، ولكن الأفراط في الثقة بالنفس، واعتبار نفسك شخصاً لا تُقهر هو الأزمة! غالباً ما يشعر المتداول بعد سلسة من المكاسب انه اسطورة، وينتابه شعور الثقة بالنفس، وبعد ذلك تأتي سلسلة من الخسائر الكبيرة والتي تأكل الأرباح السابقة. لذا كن على وعي دائماً ان سبب نجاحك هو تحليلك الجيد للسوق، وليس الحظ، لذا حافظ على الأمور التي جعلتك تنجح وتجنب الثقة المفرطة.
الملخص
يشكل التداول في الأسواق المتقلبة فرصاً كبيرة للمتداولين ذوي الخبرة والمهارة في اصطياد تلك الفرص، وقنص نقاط الدخول والخروج من السوق. في البداية يجب فهم سبب هذا التقلب، فربما يعود السوق الى اسعاره الطبيعية بعد زوال تلك الأسباب، وخصوصاً في حالة الأزمات الجيوسياسية، فقد تعود بمجرد صدور خبر واحد مثل “وقف اطلاق النار” على سبيل المثال! ان تطوير خطة تداول قوية ومتماسكة، تجعل المتداول على ثقة من النوم وترك الصفقات مفتوحة، فالصفقات في قطاعات متعددة، لا صله بينها، وكذلك لكل صفقة امر لوقف الخسارة وجني الأرباح.
تحدثنا في مقالتنا، عن الاستخدام المبالغ فيه للرافعة المالية، والتي يمكن ان تكون عبئ على المتداول اكثر من كونها أداة لزيادة الأرباح في الأسواق المتقلبة، لذا قللها كلما تمكنك من ذلك. بالتأكد بعد اجراء تحليل للسوق ووضع نقاط محددة للدخول والخروج من السوق، لا مكان للعواطف هنا، فلا يمكن لعواطفك ان تدفعك للطمع وترك الصفقات مفتوحة، او للخوف وغلق الصفقات دون تحقيق أهدافها المرجوة. نتمنى ان تكون استفدت من اخطاء المتداولين في الأسواق المتقلبة ولا تكررها!
