تخيل إنك إشتريت سلعة ما، ولتكن فضة على سبيل المثال، بغرض الإستثمار، وإنخفض السعر 5% في اليوم الأول و 4% فاليوم التالي! هنا يقف عقلك محتاراً بين الكثير من الأمور: هل كان قرار الشراء خاطئاً من البداية؟ هل يجب أن ابيع الآن لتقليل الخسارة والشراء عندما ينخفض السعر أكثر؟ هل كان يجب علي ان ابيع في خسارة اليوم الأول ولا انتظر لليوم الثاني؟! نعم نعلم ان كل ما يدور في ذهنك الآن منطقي، وقد لا تجد إجابات الآن، ولكن نعدك بأن تجد الأجابات بعد قراءة هذه المقالة بتركيز.
في البداية يجب ان تعلم ان هناك الكثير من المخاطر التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل الكوارث الطبيعية مثلاً، والتي قد تؤثر على العديد من اسعار الأسهم أو العملات. ولكن إدارة المخاطر في العموم تعمل على تقليل الخسائر،عن طريق الحسابات والتنبؤ بالأحداث والتحليل الفني لتوقع السيناريوهات التي يمكن ان تحدث في السوق.
لا يمكن لإي متداول نشط ومجتهد إهمال إدارة المخاطر، فقد تخسر ما ربحته في 10 صفقات ناجحة، إذا قمت بصفقة واحدة خاسرة تكبدت فيها خسائر كبيرة. سنناقش في هذه المقالة مفهوم إدارة المخاطر في التداول والفوركس، وكيف يمكنك تطبيقة بطرق عملية مع الأمثلة الشيقة، فتابع للنهاية.
ما المقصود بإدارة المخاطر في تداول الفوركس؟
يُقصد بإدارة المخاطر في الأسواق المالية بشكلاً عام الى توقع وتحديد وتقييم إحتمالات حدوث الخسائر في الصفقات والإستثمارات المختلفة. تحدث الخسائر عندما يتحرك السوق عكس توقعنا، فإن كنا نراهن على زيادة سعر العملة او السهم، فقد تنقلب الأحداث، ويتحرك السوق في الإتجاة المعاكس ونخسر! قد تحدث الخسائر بشكل قليل عندما تحدث أحداث طفيفة، فنجد ان الخسائر صغيرة.
ولكن تزيد معدلات الخسائر عندما تحدث أحداثاً كبيرة، مثل الحروب والتحركات العسكرية، أو نتائج الأنتخابات، أو قرارات سياسية مفاجئة للجميع. في الآونة الأخيرة لاحظنا جميعاً أهتمام متداولي الذهب بقرارات الفدرالي الأمريكي، وذلك لأن قرارات تثبيت او زيادة الفائدة تغير أيضاً في مجرى الأمور بشكلاً كبير.
لإدارة المخاطر فضلاً كبير
لا يمكن لأى متداول إنكار أهمية إدارة المخاطر، فيمكن من الحسابات الأولية والتحليل قبل التداول، ان يضع سيناريوهات كيف يمكن ان ينقلب السعر، وفي اي مرحلة عليه ان يوقف الصفقة. تكمن أهمية إدارة المخاطر بشكل علمي، ان لا يضع المتداول نفسة تحت ضغط القرار، فقد تسوقه أفكارة بشكل نفسي الى ان السعر سيرجع مرة آخرى ويصعد، وهو قد ما لا يحدث.
تتيح إستراتيجيات التداول المعروفة والمضي قدماً في إستخدام الخطط المُعده مسبقاً، الى الحصل على مصدر دخل مستدام من خلال التداول، وليس مجرد ربح صفقة واحدة. تعلم إدارة المخاطر تجعل المتداول على قدر كافي من المعرفة التي تتيح له ان يقيم ويعدل من سلوكه في التداول، وتحليل الصفقات الرابحة والخاسرة والحصول على استنتاجات يمكن ان يستخدمها في ما هو قادم.
كيف نتعرف على المخاطر؟
لكي تتعرف على المخاطر يجب ان تكون على دراية بالأحداث التي يمكن ان تؤثر على ما تمتلكه من أصول وتراقب تلك الأحداث. لذلك ينصح الخبراء ان يقوم المتداول بالأستثمار في عدد قليل من الأصول يمكنه مراقبتهم ومراقبه احداثهم بشكل مباشر وعن قرب. عادة تكون العوامل المؤثرة في تغير السعر هي العوامل الأقتصادية، والتي يمكنك ان تتعرف عليها عن طريق التقويم الأقتصادي، وهو يذكر لك اهم الأحداث والقرارات التي ستصدر وسيكون لها تأثير على السعر، مثل قرارات رفع الفائدة.
وأيضاً الحروب والتحركات العسكرية، أو حتى أوراق الضغط السياسي والأقتصادي، فمثلاً، التنويه بأن تقوم دوله بمنع تصدير الغاز او البترول عن دولة آخرى، يمكن ان يتسبب في رفع أسعار النفط والغاز بشكلاً كبير، وقد يؤثر أيضاً على اسهم كثيرة تعمل في الطاقة بشكلاً عام. ويمكنك ايضاً متابعة أخبار الشركات التي تمتلك أسهم فيها، مثل تقارير الأرباح، والتوظيف وتقييم الأصول المالية، أو تغير في الإدارة، أو غيرها من الأخبار. فقد تدفع الأخبار ان يبيع المساهمين أسهمهم بشكلاً كبير، مما يحدث تخارج في السوق، وهو ما سيجعل سعر الأسهم تنخفض بشكلاً ملحوظ ودرامي.
في فترة التعرف على المخاطر، ينصح الخبراء بالمراقبة عن قرب فترة من الزمن قبل دخول السوق لفهمه، فقد تؤثر أحد الأخبار على تقلب الأسعار بشكلاً كبير، ومنها ما لا يُحدث آثراً من الأساس. لذلك يجب ان تختبر بنفسك قدرة السوق على التعافي من الأخبار السلبية، أو الصعود تجاه الأخبار الإيجابية، وإعداد نفسك للتصرف المثالي في كل موقف.
أنواع مخاطر الفوركس
يمكننا تقسيم المخاطر الى نوعان، وهما: المخاطر المنهجية (systematic risk)، والمخاطر المُنظمة (systemic risk):
- المخاطر المنهجية
هي المخاطر التي يمكن ان تصيب قطاع كامل من السوق، مثل قطاع الطاقة مثلاً (في حالة إكتشاف طاقة نظيفة آخرى)، أو دولة معينة أو أصول مالية معينه (مثل إنهيار العملات الرقمية بشكلاً عام اذا انهارت أحد منصات العملات الرقمية). هذا النوع من المخاطر قد يكون من الصعب ان يُسيطر عليه المتداولون سواء الأفراد منهم أو المؤسسات الكبرى. ولكن يمكن ان يتوقعه من خلال المراقبة، وإتخاذ الإجراءات اللازمة حياله من وقف الخسارة والأنتظار.
يمكن ان تشمل المخاطر المنهجية أيضاً تغيير في سعر الفائدة، أو التضخم وخلافه. في هذا النوع من المخاطر، يمكن ان يزيده حدة، ما يُسمى بـ “معنويات السوق”، بمعنى ان المتداولون يخافون من انهيار السعر أكثر فيبيعون أكثر وهو ما يجعل الأمور تزداد سوءاً. يسمي الخبراء هذا التأثير بأسم “سياسة القطيع” فيتجه فيه الأفراد الى تقليد أعمى لغيرهم من كبار المتداولون، والأخبار الصحفية الرنانة، دون اي وعي.
- المخاطر المُنظمة
أما النوع الآخر من المخاطر فهو المخاطر المُنظمة، وهو نوع غير تقليدي من المخاطر، ومن الصعب ان يتم توقع حدوثها او حتى نطاق تأثيرها ومتى ستنتهي! لفهم ما هو نوع هذا المخاطر، عليك ان تتخيل انك أمام سلسلة من أوراق الدومينو المرصوصة، فبمجرد ان تقع إحدى الأوراق على الآخرى، تنهار المنظومة كلها دون توقف، إلا ان يأتى أحد ويضع يده ويوقف الأنهيار!
تحدث المخاطر المُنظمة عندما يكون هناك انهيار في أي عقدة مهمة، مما يؤدي بعد ذلك إلى حدوث دوامة سلبية قد لا تنتهي أبدًا والتي لا تكشف نقاط ضعف النظام فحسب، بل تعمل أيضاً على تسريع انهياره. مثل الكساد الأقتصادي، وانهيار البنوك في أمريكا في فترة زمنية سابقة، فقد شهدت الأسواق العالمية ضعف وكساد أستمر لفترة طويلة.
ونظراً للتأثيرات المدمرة التي يمكن ان يُخدثها هذا النوع من المخاطر، فأن الأنظمة العالمية والدولية تحاول بكل الطرق وقفها قبل ان تندلع. فقد شاهدنا أيضاً في أبريل عام 2023، أنهيار بنك “فيرست ريبابليك” الأمريكي، وكيف وقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقال سنعوض كل المودعين! نعم هنا الرئيس الأمريكي هو من وضع يده ووقف انهيار أوراق الدومينو.
تقييم المخاطر – هل تستحق الملاحظة من الأساس؟
بعد التعرف على أنواع المخاطر، وطرق تحديد المخاطر وتقلب السعر، هنا يجب ان نقيم المخاطر وندرك مدى تأثيرها المتوقع على صفقاتنا وأصولنا المالية. ان الخطوة الأولى في تقييم المخاطر هي تحليل السوق، والتعرف على التقلبات السابقة له والى اي مدى إنخفض السعر أو ارتفع في فترات زمنية مختلفه. وبعد ذلك، يجب ان يقوم المتداول بتوقع نسبه الخسارة الى المكسب، أى انه اذا فتح الصفقة فإنه من المحتمل ان يربح X أو يخسر Y. وهنا تسأل نفسك، هل الربح يستحق المخاطرة؟ أم ان الربح ضئيل جداً بالنسبة لأرتفاع نسبة الخسارة؟ اذا كانت نسبة الربح ومقداره كبير مقارنة نسبة الخسارة ومقدارها، فيمكنك ان تفتح الصفقة، والعكس صحيح.
علاوة على ذلك، يتضمن تقييم مخاطر التداول تقييم تقلبات السوق أو أزواج عملات محددة. ويشير التقلب إلى حجم تقلبات الأسعار. تزيد التقلبات العالية من احتمالية تحقيق مكاسب أو خسائر أكبر. يحتاج المتداولون إلى النظر في قدرتهم على تحمل المخاطر وتكييف استراتيجيات التداول الخاصة بهم وفقًا لمستوى التقلبات في السوق.
الرافعة المالية والمخاطرة
جانب آخر حاسم لتقييم المخاطر هو النظر في تأثير الرافعة المالية. تسمح الرافعة المالية للمتداولين بالقيام بتنفيذ صفقات أكبر بكثير من رأس المال الحقيقي. لذلك، فإنه يؤدي إلى تضخيم الأرباح والخسائر أيضاً. يجب على المتداولين تقييم الرافعة المالية التي يخططون لاستخدامها وتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بها. إن فهم مخاطر الرافعة المالية يساعد المتداولين على إدارة صفقاتهم بفعالية وتجنب الخسارة.
ينصح الخبراء مبتدئي التداول، بتجنب إستخدام روافع مالية كبيرة في البداية، حتى وان كانت الصفقات الرابحة لن تجني لهم الكثير من الربح. وذلك لان الخسائر قد تتخطى رأس المال في حساب التداول، حيث تحتجز شركات التداول مبلغ كهامش لتعويض خسارة الرافعة المالية، أى انك يمكن ان تخسر اكبر بكثير من مبلغ الصفقة المفتوحه.
إجراءات ونصائح لتقليل المخاطر
بعد ان قمنا بإكتشاف المخاطر وتحديد مقدراها المتوقع مقارنةً بالمكسب المتوقع أيضاً في فترة زمنية معينة، علينا ان نقوم بإتخاذ خطوات جادة في كل صفقة لتقليل تأثير تلك المخاطر، ومنها:
لكي تدير صفقاتك بنجاح ودون مخاطرة كبيرة، حاول قدر الأمكان ان تُقلل من قيمة كل صفقة وانها لا تتجاوز 1% الى 5% من رأس المال. قد تكون هذه النسبة ضئيلة بالنسبة للمبتدئين الذين يجربون برأس مال صغير في البداية. ولكن حتى ان كنت مبتدئ، ففي هذه الفترة، انت تتعلم، ويهمك ان تتعلم أكثر من المال الذي تربحه، لان تعليمك سيجعلك تربح أكثر!
تقليل نسبة مال الصفقة مقارنة برأس المال يجعل نفسك أطول، وتجرب أكثر وتختبر ما تعلمته لفترة أطول، وهو ما ينصح به الكثير من خبراء الفوركس. حاول ان توازن دائماً بين طموحك والواقع، فقد يجعلك طموحك ان تضع الكثير من المال في صفقة واحدة، ولكن تأكد انه لن يفيدك إذا خسرته كله أيضاً.
- تحديد الأهداف
إن معرفة متى يجب الخروج من الصفقة لا تقل أهمية عن معرفة متى تدخلها، ويمكن التأكيد عليها باعتبارها واحدة من أهم استراتيجيات التحكم في المخاطر. إن إبقاء المركز الرابح مفتوحًا لتجميع الأرباح يمكن أن يؤدي في النهاية إلى انعكاس السوق الذي يمحو جميع المكاسب. لذلك يجب وضع أوامر جني الأرباح ووقف الخسارة، وهما في النصائح التالية.
- أمر وقف الخسارة
أن امر وقف الخسارة يمكن المتداولين من تحديد السعر الذي يبيع عنده اذا هبط السعر ووصل له، وفي هذه الحالة يتحمل المتداول الخسارة. وهو أمر مهم جداً لوقف نزيف الخسائر، وعدم المتابعة المستمرة لسعر الأصل الذي تشتريه، فربما تكون مشغولاً في صفقة آخرى، أو في عملاً آخر، وتجد نفسك تتكبد الخسائر دون علم. يجب ان تفكر في قيمة وقف الخسارة بناءاً على دراسة الدعوم والمقاومة لكل صفقة على حدا، وان تضع حداً لذلك، لعدم تدخل مشاعرك في الأمور المالية.
- أمر جني الأرباح
من ناحية أخرى، أمر جني الربح هي أمر يمكنك من تحديد السعر الذي سيبيع به المتداول السهم ويحصل على ربح من الصفقة. يحدث هذا عندما يكون الاتجاه الصعودي وتحقق مكسباً بالفعل في الصفقة. على سبيل المثال، إذا كان السهم يقترب من مستوى مقاومة رئيسي بعد تحرك كبير للأعلى، فقد يرغب المتداولون في البيع قبل حدوث هبوط مرة أخرى، وخسارة ما تم ربحة بالفعل.
- تنويع محفظتك التنويع المحفظة
لا تضع البيض كله في سلة واحدة! حاول دائماً ان تنوع محفظتك الأستثمارية بين صفقات طويلة المدى وصفقات قصيرة المدى، وأيضا أن تنوع محفظتك الأستثمارية وتداولاتك في مجالات مختلفة، فمثلا في قطاع العملات أو الطاقة أو التكنولوجيا أو غيرهم. حاول ان تجعل التنويع في قطاعات مختلفة غير مترابطة ببعضها البعض، فقد تتأثر كل إستثماراتك بخبراً واحد او حدثاً واحد، إن كانوا في نفس الجهة ويتأثرون ببعضهم البعض.
نصائح نهائية لحمايتك من المخاطر
يجب ان تدرك ان المخاطر يمكن ان تحدث في اي وقت، وحتى بدون أسباب واضحة، فقد تكون أسبابها سريعة ولن تتمكن من السيطرة على صفقاتك. لذلك يجب ان تفكر في إدارة المخاطر قبل حدوثها، حتى لا تبكي على اللبن المسكوب – كما يقولون – لذلك قد جهزنا لكم قائمة بنصائح نهائية يمكن ان تساعدكم:
- أبحث عن وسيط تداول ناجح وسمعته طيبة، فستجد لديه العديد من المصادر لتساعدك في إتخاذ قرارات مستنيرة وتقليل المخاطرة.
- أدرس التكاليف المرتبطة بالتداول، مثل العمولات وغيرها، فقد يضيع ربحك في العمولات.
- لا تخاطر بأكثر من 5% من رأس مالك.
- لا تخاطر نهائياً بملبغ لن تتحمل خسارته، وقد يسبب لك أزمة.
- ضع خطة تداول بناءاً على معلومات ودراسات للسوق وتوقعات مبنيه على بيانات وتحليلات.
- إلتزم بتلك الخطة ولا تجعل مشاعرك تتحكم فيك، تحكم في مشاعرك قدر الإمكان.
- إستخدم أوامر وقف الخسارة وجني الأرباح في كل صفقة.
- كل على إطلاع بكل الأخبار التي تؤثر على تحركات صفقاتك.
- لا تترك صفقة مفتوحة دون متابعة مستمرة.
- تجنب الروافع المالية قدر الإمكان.
- أفتح حساباً تجريبياً وجرب إستراتيجياتك قبل البدء والمخاطرة بمالك الحقيقي.
الملخص
ان حماية تداولاتك قد لا تقل أهمية عن إيجاد فرص جيدة للإستثمار، بل فهي تزيد أهمية عن تلك الأخيرة! يمكن للإستخدام الخاطئ للرافعة المالية دون دراية ان تقضي على كل ما في رصيدك، أو صفقة خاسرة ان تزيل كل ما ربحته خلال شهور، لذلك فإن التخطيط السليم لإدارة المخاطر هو بر الأمان في التداول.
قد تحدثنا عن أهمية حماية إستثماراتك، وكيفية التعرف على المخاطر، وانواع تلك المخاطر. تكلمنا بكثره عن نصائح للتداول بحذر في هذا السوق المزدحم، وننصحك دائماً بالتداول الحذر، ونتمنى لك النجاح دائماً.